منذ أن يفتح مولود الحوت عينيه لأول مرة يظهر فيهما سحر عجيب، يوحي بأنه طفل ليس كباقي الأطفال، وكأنه جاء من كوكب بعيد جدا على ظهر شعاع قمري، وعندما تنظر والدته الى وجهه متأملة بتورد خديه وببشرته الناعمة وغمازاته الجميلة، يمتـلئ قلبها بالفرح وتتمنى لو تطول فترة طفولته كي تـنعم به أطول فترة ممكنة، انها وبالفعل تكتـشف يوماً ما وبعد مرور سنوات، بأن السماء قد حقـقت لها أمنيتها، وتركت لابنها مساحة كبيرة من الأحلام والخيالات الطفولية السعيدة، يكره هذا الطفل منذ بداياته واقع الحياة ورتابتها، انه يهوى التمثيل بهدف الهروب لعالم آخر أكثر جمالا وسعادة، إن ميله هذا يُساعد في الواقع على تربيته ورعايته، فإن أرادت والدته مثلا إقناعه بأمر ما، ما عليها سوى أن تدخل معه في حكاية تمثـيلية وهمية، ينسى خلالها نفسه، فيـنـقاد لأوامرها ملتزما وطائعاً ومختاراً، بامكانها مثلا أن تتظاهر بأنها جنية لطيفة أتت لترشّ عينيه بالنوم وبالفعل سينام، أو تدّعي بأن الملعقة هي عبارة عن عصفور طائر، وأن فمه العش، فتجده يفتحه ويأكل الطعام، إن أي طريقة تتسم بطابع الغرابة تبقى أفضل بالنسبة له من استخدام الروتين الذي يمشي عليه الأطفال بالعادة، إنـّه على أية حال لا يقبل اللجوء للعنف أو الصراخ حتى يصل إلى مبتغاه، ويستخدم بدلا عنهما أساليب ملتوية تحمل الكثير من اليقظة والحكمة.
ان حاجة هذا الطفل للاحترام والتقدير والتـشجيع كبيرة جدا بسبب ثـقته القليلة بذاته، وإيمانه بأن كفاءاته قليلة، هو طفل حساس وخجول وسريع الانحباط، ولكنه قادر على أن يخفي حقيقة أمره تحت غطاء من التكتم والادعاء، وبالرغم من مهارته في تحوير وتزوير الواقع إلا أنه يُظل مصرا على كونه شخص صادق لا يكذب، وعلى أية حال ان كذبه من النوع البريء الذي ينتج عن الخوف من كشف الحقائق، هذا من جانب، ومن جانب أخر يشكل طفل الحوت في مدرسته مصدر حيرة واستغراب لمعلميه، وهذا بسبب رفضه لطرق التعليم المألوفة واتباعه طرقا خاصة به وحده تؤكد جدارته مع مرور الوقت .. هو فنان فبامكانه أن يتذوق الموسيقى والرقص وأن يدهش الناس بخفته ورشاقـته، وهو ينجذب بشكل كبير لقادة الحرب، وعلماء الفضاء، وحتى كبار الموسيقيـين والنحاتين، ويحب معاشرة الكبار، التي يفضلها على معاشرة من هم في مثل سنه، ومع ذلك يتهرب من القيام بالواجبات والمسؤوليات، ويعيش في حالة تقمّص غريـبة فهو يتحدث عن أشخاص ماتوا قبل ولادته، ويقول بعض الوقائع قبل وقوعها، وإن لمن الخطير جدا مقابلة هذه الظاهرة بالاستهزاء أو اللوم أو توجيه الاتهامات له بالكذب، لأن الأيام والأحداث كثيراً ما تؤكد صدق رؤية هذا الطفل الغريب، بالمقابل لا يجوز أن يتم تركه فريسة لأوهامه وخيالاته، فيجب القيام بتدخل بنـّاء من قبل والديه وعائلته، إن من الممكن معالجة أمره باستخدام الرفق والصبر والمحبة حتى يتمكن من التكيّف بالعالم الذي يعيش بداخله، ويستطيع تحقيق النجاح في تحويل بعض من أحلامه لحقيقة ملموسة فيها سعادته واستـقراره