تُسمَّى الثقوب السوداء بهذا الاسم لأن الجاذبية في مركزها قوية بشكل هائل؛ لدرجة أنها تمتص كل الضوء القريب منها، كما لا يمكن لأي شيء الهروب منها مهما كانت طبيعته. ويمتلك الثقب الأسود القوة المرعبة لالتهام أي شيء مهما كانت طبيعته أو حجمه، لذلك ليس من المفاجئ أن تصبح هذه الصدوع الكونية عنصراً أساسياً في أفلام وروايات الخيال العلمي منذ أن تمت صياغة تسمية "الثقب الأسود" لأول مرة في عام 1964.
الدخول في نقطة "اللاعودة"
تخلق الثقوب السوداء أقوى قوة جاذبية نعرفها على الإطلاق في هذا الكون الفسيح المليء بالأسرار. لذلك، وبأي ثمن، لا يرغب أحد أبداً في الاقتراب كثيراً من أحدها. ولكن إذا اقتربت أكثر من اللازم، فإن جاذبية الثقب الأسود ستكون قوية جداً لدرجة أنك لن تتمكن من الهروب، حتى لو كنت تسافر بسرعة الضوء. وتسمى نقطة اللاعودة تلك بـ"أفق الحدث". سبب آخر لعدم رغبتك في الاقتراب كثيراً من الثقب الأسود هو شيء يُسمى "تأثير السباغيتي". نعم، تم اقتباس تسميته من المعكرونة السباغيتي!
ما هو تأثير "السباغيتي"؟
تخيل جسماً في الفضاء، مثل نجم. عندما يقترب من الثقب الأسود، يتم سحب أحد جوانب النجم بقوة أكبر من الآخر نظراً لعامل "شفط" هذا الجسم. حيث إن أحد جانبي النجم سيكون أقرب إلى الثقب الأسود من الآخر. وبالتالي سيكون السحب من الجاذبية أقوى في الجانب الأقرب للثقب الأسود، وأضعف في الجانب الأبعد.
هذا الاختلاف في جاذبية "قوة المد والجزر" من شأنه أن يتسبب في انفصال النجم عن بعضه البعض. يشبه الأمر وضع قطعة من عجينة المعكرونة السباغيتي، عندما تمسكها من طرف، ستجد أن الآخر يبدأ في الدوران والامتطاط. في بعض الأحيان يمكن لعلماء الفلك ملاحظة حدوث ذلك في المجرات الأخرى. الاسم التقني هو "حدث اضطراب المد والجزر"، لكنه يعني فقط أن نجماً قد اقترب جداً من ثقب أسود، وتم تفتيته بعدما دخل في عملية "السباغيتي" التي أسلفنا شرحها. وفي مايو/أيار عام 2022 الجاري، كشف علماء الفلك عن أول صورة على الإطلاق للثقب الأسود في مركز مجرتنا.
هل يمكن للثقوب السوداء أن تبتلع كوكب الأرض؟
على الرغم من وفرة هذه الثقوب، حيث يوجد ما يقرب من 100 مليون ثقب أسود في مجرتنا نعرف بوجوده، ناهيك عما لم نكتشف وجوده بعد، لكن لا داعي للذعر: الثقوب السوداء لن تلتهم الأرض ولا الكون. من غير المحتمل أبداً تقريباً أن تقع الأرض في مسار أحد الثقوب السوداء. وهذا لأن جاذبيتها، عن بُعد، ليست قوية بهذا الشكل كما تصور لنا أفلام السينما.
حتى إنه إذا أردنا استبدال الشمس في مدار مجرّتنا بثقب أسود من نفس الكتلة والحجم، على سبيل المثال، ستستمر الأرض وبقية الكواكب في الدوران بنفس الطريقة تماماً في مسارها، لأنه لن يكون هناك تغيير ملحوظ في الجاذبية التي تؤثر على تلك الكواكب. لذا فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يبتلع بها ثقب أسود كوكب الأرض هي إذا حدث أن ضل كوكبنا وخرج عن مساره عبر الأفق وصادف مسار ثقب أسود متجول في الكون.
ولكن، ماذا سيحدث نظرياً إذا ابتلعنا ثقب أسود؟
بشكل نظري، ستبدأ تأثيرات الجاذبية نفسها التي تنتج تأثير السباغيتي في التأثير أولاً على شكل كوكب الأرض. مثلاً، ستشعر حافة الأرض الأقرب إلى الثقب الأسود بقوة أقوى بكثير من الجانب البعيد. وبالتالي سيبدأ شكل الكوكب في التداعي والتمطط، مسبباً كوارث طبيعية وانهيارات. وتدريجياً سيبدأ غلافنا الجوي بالتمزُّق، يليه أجزاء ضخمة من الأرض.
كذلك من شأن قوة الجاذبية القوية غير المتكافئة على الأرض أن تشوه الكوكب باستمرار وتغير شكله. هذا من شأنه أن يولد قدراً هائلاً من الاحتكاك الداخلي، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة نواة الأرض إلى مستويات كارثية مسببة زلازل مدمرة للأرض، وبراكين، وأمواج تسونامي مميتة. كل ذلك قبل أن يتحول كوكب الأرض إلى خيط رفيع من "السباغيتي" ويتفتت إلى ذرات. مرعب صحيح؟ مع ذلك لا تنسَ، هذا كله بشكل مجازي بالطبع، لأنه عملياً قد لا يتمكن أي ثقب أسود من ابتلاع كوكبنا أبداً.. أو على الأقل نأمُل ألا يحدث ذلك!