لم يكن يوما طفلا مرفها، بل كانت حياته منذ نعومه أظافره قاسية متعبة، فخلت غرفته من الدمى، وكيف يأتي بها وأشقائه التسعة ينكمشون كل في ركن بها بينهم سنتيمترات لا تكفي سوى لأطراف قدم. ووصف دريد هذه الغرفة قائلا:". أنها أكثر بقاع العالم كثافة سكانية حيث كان الذكور ينامون بحذاء أحد أضلاعها والإناث أمام الضلع المقابل، وكان سقفها في الشتاء مصفاة للأمطار التي تتلقاها أوعية وزعت في أرض الغرفة".

انفق أول راتب له على والدته

ولد دريد لحام لأب سوري وأم لبنانية في عام 1934 بمدينه مشغره في البقاع الغربي وهو الابن الذي يحمل رقم تسعة بين أشقائه ورغم مرارة الظروف التي كان يعيش فيها إلا أن والده لم يحرمه التعليم شريطه أن يأتي دريد بمصاريف تغطي احتياجاته كاملة، فعمل هذا الطفل الذي لم يتعد وقتها الثماني سنوات في العديد من المهن التي لا يجدي لطفل في مثل عمره أن يمتهنها فعمل خياطا وبائع يحمل الحلوى للأطفال وهو محروم من متعة تذوقها وأيضا اتخذ من كي الملابس مهنة له في بعض المراحل خاصة الابتدائية والإعدادية.

وتمر الأيام حتى يصل إلى مرحلة الثانوية العامة، فحصل عليها بتفوق، انتقل بعدها للدراسة الجامعية مع راتب قدره 137 ليرة سورية ولشدة حب دريد لوالدته وإحساسه الشديد إنها سهرت الليالي من أجلة ورغم حاجته الشديدة لزى جديد يذهب به إلى الجامعة خاصة وانه يجلس وسط كوكبة من عالية القوم فلم يبالي بنفسه واتخذ كل راتبه واهدى أمه بوتاجازا بالجاز.

ورغم كل هذه المعاناة إلا أن دريد دوما يصف كل هذه المراحل التي مرت بحياته بان ما يميزها كان الحب والاحتواء الذي نبع من غرفة صغيرة مساحتها أمتار.

كان حب الفن والتمثيل أمنية دفينة لم يجرؤ في ظل ظروفه على البوح بها إلا أن جاءت الفرصة الأولى في حياته على مسرح جامعة دمشق الذي التحق بها وكانت أولى الشخصيات التي قدمها هي شخصية فتاة استشهد والدها في فلسطين حينما لم يجد المسئولون عن المسرح وقتها فتاة مناسبة تقبل بالدور وكان دريد الفتاة الوحيدة التي قبلت اختراق التقاليد قبل 51 عاماً.

اعتبر دريد هذا الدور مجرد شخصية ومرت مرور الكرام فاتحه لإكمال دراسته الجامعية للكيمياء، وتخرج عام 1958م فأصبح كيميائياً محاضرا في جامعة دمشق، إلا أن هاجسا ما ظل في مخيلة دريد يهمس له أن طريق الكيمياء والمعادلات ليس طريقه بل هناك من بعيد عالم أخر هو عالم الدراما ينتظره يشير له بأصابعه أن يذهب إليه ولا مانع أن يأتي هو إليه، وأخيرا بات الهاجس حقيقة وأشارت له أصابع صديقه نهاد قلعي الذي جسد معه ثنائيا ناجحا وكذلك المخرج خلدون المالح حيث عرض عليه المشاركة بشخصية غوار الطوشة في احد الأعمال الدرامية ذلك الاسم الذي اقتبسه دريد من أحد العاملين البسطاء في التلفزيون السوري فأعجب باسمه فاختاره وزاد عليه الطوشة وكان غوار شخصية ساخرة متمردة.

دريد معروف بوطنيته التي
لا يبيعها بثمن

ومن هنا بدأت خيوط دريد لحام التمثيلية في الاسترسال على جبين الدراما السورية بشخصيته الكوميدية الناقدة التي اختارها طريقا له وكانت باكورة أعمال التليفزيونية من خلال مسلسل (صح النوم) وأدى من خلاله شخصية كوميدية تصنع المقالب التي رسمت الضحكة على شفاه جمهوره السوري ليواصل دريد النجاح من خلال مسلسليه (حمام الهنا) (مقالب غوار).

عمل دريد لحام لفترة قصيرة في فرقة الرقص الشعبي السوري التابعة لوزارة الثقافة وكان ذلك في أوائل الستينات تحديدا في عام 1963 واعتبر دريد أن هذه الفترة من أهم مراحل حياته حيث دق قلبه لأول مرة من اجل عيون هالة وهي احدى الفتيات اللاتي كانت تشارك في هذه الفرقة الراقصة والتي يعمل بها دريد مديرا، وعاش معها قصة حب جميلة وحلم بحفل ضخم ترتدي فيه حبيبته فستانا يجعلها كالعصفور في سماء دنياه، إلا أن ظروفه المادية الصعبة منعته من تحقيق الحلم كاملا واكتفي ببذور صغيره منه فتزوجها دون مراسم ودون أيضا فستان وتمر السنوات ويصبح دريد أبا له من الأبناء ثلاثة هم ثائر وعبير ودنيا وتقلد أيضا لقب جدا ومن الأحفاد له تسعه ليس بهم من عرف للفن طريقا.

بعد أن حقق دريد نجاحا على المستوى التليفزيوني إلا أن أضواء السينما جذبته فتألق في فترة الستينات سينمائيا وقدم حوالي 30 فيلما مع نجوم من مصر والعالم العربي كله ومن أهم هذه التجارب (عقد اللولو ـ الرجل المناسب ـ الثعلب).

لم يكن دريد راضيا أبدا على بعض الأوضاع السياسية السائدة فكان الحل هو خلع الملابستها من خلال مسرحياته وذلك بعد النكسة وطرحت قضايا المتضررين من تلك الهزيمة التي لا تغتفر وكانت البداية من خلال ( مسرح الشوك) وهو عبارة عن مشاهد ساخرة تتحدث عن الزيف في الحكم والتلاعب على القانون وسلوك الطبقة البرجوازية ورغم ضخامة هذه الموضوعات إلا أن طريقة طرح دريد لها كانت تضفي بعدا كوميديا ومن هنا حقق دريد المعادلة الصعبة في طرح أرائه بكل جرأة وبين تغليفها بإطار كوميدي شفاف يفضح الكامن بها.

وفي عام 1973 تأسست فرقه تشرين بمشاركة كل من لحام والأديب محمد الماغوط وآخرون من نجوم سوريا وأخرجت أول العروض للنور حاملة عنوان (ضيعة تشرين) عام 1974 وأخرجها دريد لحام بنفسه ثم في عام 1976 قدمت مسرحية (غربة) ومن ثم مسرحية (كاسك يا وطن) عام 1979 وتميزت العروض برغم صقلها باللهجة العامية وكانت أخر عروض هذه الفرقة بعنوان (شقائق النعمان).

وفجأة يعود الحنين لدريد لحام إلى السينما وكانت العودة من خلال فيلم (الحدود) حيث طرح مشكلة الحدود بين أقطار العالم العربي ونال عليه جائزة جمعية نقاد السينما في مصر عام 1985وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان (فالنسيا)

اهتم دريد كذلك بقضايا الطفل حيث اعتبره كيان وجزء كبير من الوطن العربي فقد قدم إليه فيلمه (كفرون) وخاطب من خلاله الأطفال البائسين ولما لا وهو كان ذات يوم واحدا منهم وعليه نال جائزة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة الدولي الأول لسينما الطفل ونتيجة اهتمامه بالأطفال تقلد دريد لقب سفيرا للطفولة في الوطن العربي وشمال إفريقيا وأنجز من اجل الطفل العديد الكثير منها التلقيح ضد أمراض الطفولة وشارك بأنشطة على مستوى العالم .

وفيما يخص الطفل أيضا قدم مسرحية (العصفورة السعيدة) و(آباء صغار) ولقب في عام 1997 نتيجة لاهتماماته بشؤون الطفل سفيراً للنوايا الحسنة ليونيسيف في سوريا وفي عام 2004 تخلى عن ذلك اللقب وعن جواز سفره الدبلوماسي من دون تردد لأنه كما يقول رفض المساومة على عروبته واعترض على مبدأ تزوير الحقائق فالحجر الذي يرفعه طفل فلسطيني ليس إرهاباً فهو أراد أن يكون عربياً شريفاً ومناضلاً عفيفاً ليس فقط على خشبة المسرح ولا من وراء شاشات التلفزيون، بل إنه مقاوم حقيقي عندما وقف على بوابة فاطمة في جنوب لبنان ليحمل حجراً ويرميه اتجاه أرض العدو ليعبر عن ذلك بدعمه للمقاومة وأطفال الحجارة فما كان ذلك إلا سبباً لاتهامه بدعم الإرهاب وعندما خيّر بين عمله الدبلوماسي وموقفه الوطني اختار دريد لحام أن يكون ذلك العربي الوطني الذي لا يكتفي فقط بالكلام بل بالأفعال التي تؤازر المقولات.

وبعد هذا المشوار الطويل اتجه دريد لحام لتقديم البرامج التلفزيونية وبلغ عددهم ثلاثة برامج هم (على مسؤوليتي،عالم دريد ، دريد هذا المساء).