عندما رحل صاحب صوت الرجولة، الفنان العربي الكبير، السوري، فهد بلان، قبل 15 عاما، ظن مراقبون أن لا صوتَ رجولةٍ سيأتي بديلا له قبل انقضاء سنوات طويلة، وذلك لتفرد "الفهد" بتلك الميزة التي حملها خمسين عاما طاف خلالها البلدان العربية كافة. بيد أن ما تكشّف بعيد سنوات قليلة على رحيل صاحب" عالبال بعدك يا سهل حوران"، هو أن الراحل استبق وفاته بوضع الأمانة في حنجرة خرجت من صلب حنجرته.. في ولده الواثق، الفنان المعروف، إيهاب فهد بلان، والذي يتابع طريق أبيه، صوتا وصورة، صداحا ورجولة، لونا ونوعا... هو باختصار.. إيهاب فهد بلان.

لا أرى مشكلة في التمسك بالماضي

بدايتك مع الفن تزامنت مع نهاية حياة أبيك.. ماذا تحدثنا عن ذلك؟
كان ذلك منتصف التسعينات، عندما بدأ الراحل فهد بلان يستشعر قرب أجله، فأراد، بناءً على حدسه، أن لا يحرم عشاقه صوته الذي أحبوا، فبدأ يدربني على بحة صوته وعلى لونه الجبلي الذي عرف عنه، وكان أول اختبار لي أغنيته الشهيرة – عالبال بعدك يا سهل حوران- والتي اطمئن كثيرا، قبل رحيله، إلى أنها وضعت في يد أمينة مثلما كان يقول".

تلك الأغنية عنت الكثير لأبناء الجيل الماضي.. كيف الأمر بالنسبة لشاب مثلك عليه غناؤها لجيل جديد؟
تلك الأغنية عنت الكثير للجمهور العربي وبخاصة في سورية ولبنان، وتحديدا في جبل العرب وامتداده الديمغرافي بين البلدين. لا أرى مشكلة في التمسك بالماضي.. هو ماض، وهذا الماضي له عشاقه من كبار عاشوه وكانوا شبابا، ومن شبان، تراهم، اليوم، يلهثون للحصول على التراث... تلك الأغنية ضاربة في وجدان السوريين واللبنانيين، بل والعرب حتى... أعرف أن الجمهور المصري، في السبعينات، أجبر فهد بلان على إعادتها، في حفلة، أكثر من مرة، لا مشكلة لدي في غنائها، لا بل أنا في غاية السعادة لذلك.

عندما تغني بصوت أبيك، فالناس ستشعر بأنك مجرد مقلّد له.. ماذا عن الموهبة الخاصة بك في هذا الناحية؟
لا، أبدا، لست مرددا خلف أبي ولست مقلدا له، بل أنا حامل أمانة، أمانة ليست من أبي وحسب، بل أمانة منطقة تسمى جبل العرب التي ينتمي إليها صوت فهد بلان، فالناس في تلك المنطقة، تعشق بساطة الكلمات البلّانية ورجولة الصوت. وعندما كان فهد الوحيد الذي امتاز بتلك السمة في العقود الماضية، فقد توجب عليّ أن أحمل لواء أغنية الجبل. ليس في الأمر تقليد بقدر ما هو تكليف بمهمة أشعر بأني أعيشها تشريفا.

لكن متى سنحت الفرصة لإيهاب بلان ليقول البلّانيات ويخاطب بها جمهور جبل العرب؟ وهل لمس الجمهور هذا؟

لا يجوز أن يبقى الفنان رهينة
لمزاج شركة إنتاج

تابع الجمهور العربي والسوري مسلسل "الخربة" الذي عرض في العام 2011، وذلك المسلسل، كما يعرف الناس، توجه إلى أهالي السويداء مباشرة، بل واستخدم لهجتهم ومنطقتهم وعاداتهم وتقاليدهم. في ذلك المسلسل، غنّيت شارة العمل في البداية والنهاية، بأغنيتين كان لهما وقعا جيدا عند جمهور المنطقة والجمهور السوري وكذلك لدى الجمهورين السوري والمصري حسبما قرأت في مواقع إلكترونية.

لنكن صريحين.. أبناء جبل العرب تعودوا صوت أبيك حصرا.. أليست تركة ثقيلة عليك أن تشعرهم بأن فهد بلان ما يزال موجودا ومن خلال شارة مسلسل؟
كان شعورا عظيما بالنسبة لي، وبخاصة أن الجمهور هناك يناديني "أبا فهد" نسبةً لأبي. إن أكثر ما أشعرني بالمسؤولية أثناء تأديتي للأغنيتين، البداية والنهاية، هو ثقتي بأنه لو كان فهد بلان على قيد الحياة، لما كان لأحد أن يغنيهما سواه.. شعرت بوالدي يقول لي: قدّم صوتي للناس.. إياك أن تخطئ"!!.

اليوم، شئت أم أبيت، أنت مطرب منطقة تنشد لونها ولهجتها.. ماذا يعني أن يكون المطرب خاصا بمنطقته.. فأنت في السويداء وعلي الديك في الساحل مثلا؟
أنا لا أغني بلون منطقتي وحسب، صحيح أن الموروث الذي تلقيته هو جبلي لبيئة جبل العرب، وصحيح أن صوت أبي يلف حنجرتي ويخرج منها اليوم، لكن، أنا مطرب سوري وبإمكاني أن أغنّي أغنيات الصرعة وبأكثر من لهجة، كما وبإمكاني الغناء باللهجتين اللبنانية والمصرية. لا تنس أن فهد بلان غنّى اللبناني والمصري أيضا وميراثه كله معي وهذه مدعاة فخر لي. لكن لا ضير بأن يغلب لون الجبل على عطائي، فالجبل يستحق مني أكثر ما تستحقه أي منطقة أخرى وذلك لخصوصية البيئة وخصوصية الصوت الذي أحمله كأمانة".

لكل فنان داعم، وهذا معروف في الأوساط الطربية في أي مكان في العالم...من يدعم إيهاب بلان؟

لا يجوز أن يبقى الفنان رهينة
لمزاج شركة إنتاج

لا أنكر وجود جهات داعمة لي توفر لي تصوير الكليب وتوزيعه، لكن في ذات الوقت أحتاج كغيري من المطربين المزيد. لا يجوز أن يبقى الفنان رهينة لمزاج شركة إنتاج أو جهة خاصة ممولة يغني متى شاءت ويتوقف حين تتوقف عن الدعم. بل يجب توفير جهة، رسمية أو خاصة، تلتزم بدعم الفنان بكليب واحد على الأقل في العام، لأن بقاء المطرب منتظرا يعني بقاء الفن منتظرا، ولا يجوز أن يبقى الفن في حالة انتظار".

منذ سنتين تقريبا أغلقت المطاعم ومقار الحفلات التي كان يغني بها الفنانون بسبب الحدث السوري.. ماذا على الفنان أن يفعل هنا وبخاصة أن الجمهور ينتظره حتى في أحلك الظروف؟
على الفنان ألا يعترف بصعوبة أي موقف مهما بدا الموقف صعبا وقاسيا، عليه أن يصنع الأغنية وأن يصور الكليب وذلك انتصارا لفنه وبالتالي لبلده وجمهوره وفي النهاية لنفسه.. الحدث مؤلم؟.. حسنا.. دعنا نغنِّ الألم.. دعنا نغنِّ الوطن وندعم الوحدة الوطنية من خلال الصوت... أما أن نتفرج، فهذه مصيبة مضاعفة على رأس البلد نشارك نحن بها ربما من حيث لا ندري".

أنت كثير التواجد في الولايات المتحدة الأمريكية... ماذا عن سبب تواجدك هناك؟
سبب تواجدي بين الحين والحين في الولايات المتحدة، هو إنه، منذ سنوات طويلة، أقيم في أمريكا، وذلك منذ حياة أبي، ولي فيها الكثير من الأقرباء والأصدقاء وأبناء البلد السوريين، والعمل الفني كما هو معروف، لا يرتبط بمكان، وبالتالي، فإن التواجد في أمريكا له علاقة بالفن ولا أريد الكشف عن تفاصيل هذا العمل الفني في واشنطن.

نعيش الذكرى الخامسة عشرة لرحيل النجم الكبير فهد بلان.. ماذا تقول في هذه المناسبة المؤلمة؟
اسمحوا لي بأن أغير في كلمات الأغنية الشهيرة لوالدي وأقول:
عالبالِ بعدَكْ يا فهدْ بلّانْ
شرشفْ قصبْ ومطرّز
بنيسان (النشرة)

فهد بلان