تترقب الأسواق والشركات العالمية العديد من الأحداث والقرارات خلال الفترة المقبلة، مثل التطورات الجيوسياسية ومسار الفائدة عالميا. وتأتي هذه المخاوف مع انطلاق عمال المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري، تحت شعار "إعادة بناء الثقة".
ويقام هذا الحدث السنوي في وقت يشهد فيه العالم حرباً مدمرة في غزة وأوكرانيا، واختراقات في الذكاء الاصطناعي تسبب الكثير من الإثارة بقدر ما تثير من قلق، إلى جانب أزمة ديون كارثية وسط تباطؤ اقتصادي وتدهور المناخ. فيما يلي أبرز المخاطر الاقتصادية العالمية لعام 2024، بحسب تقرير لـ"بلومبرغ".
الشرق الأوسط
دفعت الحرب التي شنتها إسرائيل في غزة، التي لا تزال مستمرة بعد 100 يوم، المنطقة إلى حافة صراع أوسع نطاقا، مع احتمال خنق تدفقات النفط، وتقليص جزء كبير من النمو العالمي، ودفع التضخم إلى الارتفاع مرة أخرى. وهذا النوع من انقطاع إمدادات الطاقة لم يحدث بعد، وتراهن الأسواق على أنه لن يحدث، لكن الخطر آخذ في الارتفاع. تصاعدت التوترات في البحر الأحمر منذ أن شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غارات جوية في اليمن، رداً على أسابيع من الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التي تعتبر بوابة رئيسية للتجارة العالمية.
كما أن التبادل اليومي لإطلاق النار على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية يهدد بجر حزب الله وإيران إلى مستويات أعمق من القتال. كما تزداد التوترات في العراق وسوريا. وأشار تقرير لـ"بلومبرغ" إلى أن سيناريو الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل لا تزال غير محتملة. وإذا تحقق هذا السيناريو، فقد يتعرض خمس إمدادات النفط الخام العالمية، فضلاً عن طرق التجارة المهمة، للخطر. ومن الممكن أن ترتفع أسعار النفط الخام إلى 150 دولاراً للبرميل، مما يعني خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو نقطة مئوية واحدة وإضافة 1.2 نقطة مئوية إلى التضخم العالمي.
الفيدرالي
في سبعينيات القرن العشرين، خفف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آن ذاك آرثر بيرنز سياسته النقدية في وقت مبكر للغاية. وكانت النتيجة عودة التضخم، الأمر الذي تطلب اتخاذ إجراءات صارمة من جانب خليفه بول فولكر لوضع الأسعار تحت السيطرة. وقد أسفرت التوترات الجيوسياسية عالميا في الفترة الأخيرة عن قلق متزايد بشأن احتمالية تعرقل مخططات الفيدرالي.
ورغم ارتفاع احتمالية بدء الفيدرالي بعمليات خفض الفائدة خلال شهر مارس إلى نسبة 80%، بعد البيانات الاقتصادية الأخيرة التي صدرت الأسبوع الماضي، إلا أن بعض الخبراء لا تزال تحذر من أن الأسواق متفائلة. يعتبر الرئيس التنفيذي لشركة "First Financial Market" نديم السبع أنه "صحيح انخفض التضخم في أميركا إلى مستويات دون الخطر (5%) إلا أنها بعيدة عن مستهدف الفائدة البالغة 2%". واعتبر السبع، في مقابلة، أن الأسواق جدا متفائلة بشأن مسار الفائدة معارضا تلك التقديرات متوقعات أن الأسواق لن تشهد أي خفض في معدلات الفائدة قبل النصف الأول من 2024.
أوروبا
تنتقل ضبابية مسار الفائدة إلى أوروبا وبريطانيا كذلك، إذ أن احتمال دخول تلك الدول في ركود أعلى مقارنة بأميركا حاليا. توقع استطلاع لوكالة أنباء "بلومبرغ" أن يتجه المركزي الأوروبي نحو خفض أسعار الفائدة 4 مرات هذا العام وبواقع 25 نقطة أساس في كل مرة، وسط تراجع التضخم بوتيرة سريعة. بينما أشار عضو مجلس إدارة البنك المركزي روبرت هولزمان، يوم الاثنين في مقابلة على هامش منتدى دافوس، إن المركزي قد يتحدى توقعات السوق ويؤجل البدء في تخفيض أسعار الفائدة خلال عام 2024 بأكمله.
وقال محافظ البنك المركزي الفرنسي فرانسوا فيليروي دي جالو، في دافوس، إن البنك المركزي الأوروبي لا يمكنه أن يعلن بعد النصر على التضخم، لكن خطوته التالية من المرجح أن تكون خفض أسعار الفائدة في وقت ما هذا العام، إضافة إلى سلسلة من التعليقات الصادرة عن صناع السياسات مؤخرا لتأجيل توقعات خفض أسعار الفائدة، وفقا لـ "رويترز". وانكمش الاقتصاد الألماني في 2023 بنسبة 0.3% خلال عام 2023 بأكمله بسبب استمرار التضخم وارتفاع أسعار الطاقة وضعف الطلب الخارجي، لكنه تجنب الركود في نهاية العام.
الصين
يدخل ثاني أكبر اقتصاد في العالم عام 2024 مع ترقب الأسواق لمستقبل نمو البلاد. لقد تلاشى التعافي بعد الوباء، وفشل التحفيز الحكومي المستمر في سد الفجوة الهائلة التي خلفها قطاع العقارات المتدهور. وتشير البيانات في أن بكين ستقدم في نهاية المطاف دعمًا كافيًا لتجنب الانهيار، مع توقع نمو بنسبة 4.5% في عام 2024. وسيكون هذا أقل من العام الماضي، وأقل بكثير من مستوى ما قبل الوباء، لكنه لن يكون "كارثة".
وتميل المخاطر بشدة نحو الجانب السلبي. وبحال لم تنتج الحوافز الدعم المتوقع في الفترة المقبلة وتفاقم تدهور القطاع العقاري، فقد يتباطأ النمو إلى حوالي 3%. وإذا تسببت مشاكل العقارات في إشعال شرارة أزمة مالية، كما حدث في اليابان في عام 1989 والولايات المتحدة في عام 2008، فقد ينكمش الاقتصاد.
اليابان
في اليابان، من المقرر أن يكون عام 2024 هو العام الذي يتخلى فيه بنك اليابان المركزي تحت الإدارة الجديدة عن سياسته بوضع حد أقصى على منحنى العائد، وهي السياسة التي استخدمها لربط أسعار الفائدة طويلة الأجل عند مستويات متدنية للغاية. وكان الهدف هو إنعاش الاقتصاد الياباني، إلا أن التفاوت الشاسع في السياسة النقدية لليابان مقارنة بالدول الأخرى - تحديدا أميركا وأوروبا - أسفرت عن ارتفاع التضخم المحلي وانهيار العملة.
تتوقع "بلومبرغ إيكونوميكس" أن بنك اليابان يتجه نحو تغيير سياسته النقدية في يوليو، مع الحفاظ على إعدادات السياسة متكيفة مع التخلي عن سياسته المتعلقة بمنحنى العائدات. إن إرسال الإشارات الدقيقة إلى السوق يزيد من احتمالات سير الأمر بسلاسة. وإذا لم يحدث ذلك، وارتفعت قيمة الين، فإن صفقات الشراء بالاقتراض قد تتفكك بسرعة مع نزوح الأموال من سندات الخزانة الأميركية وغيرها من الأصول ذات العائدات الأعلى. اليابان لديها 4.1 تريليون دولار من استثمارات المحافظ الأجنبية.
أوكرانيا
بعد فشل الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا، يحذر الداعمون الغربيون من أن البلاد تخاطر بهزيمة ساحقة - وخاصة إذا تقلصت المساعدات العسكرية الأميركية، مما يمنح روسيا ميزة حاسمة في ساحة المعركة. ويقول المحللون إن الولايات المتحدة قد تواجه خيارًا صعبًا بين نشر قوات لردع روسيا في أوروبا، أو الصين في آسيا. بالإضافة إلى ما قد تنتجه الحرب في غزة من عمليات عسكرية واسعة النطاق.
إن هزيمة أوكرانيا قد تجعل من الصعب على واشنطن إقناع الدول الأخرى بأنها حليف قوي وموثوق. وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى زيادة احتمالات حدوث انفجارات في أماكن أخرى من العالم - ومن بين الأمثلة على ذلك اندلاع النزاع الإقليمي مؤخراً بين فنزويلا وجويانا.
تايوان
في أول خطاب له بعد إعلان انتصاره، تعهّد لاي تشينغ-تي - مرشّح الحزب الديمقراطي التقدمي- الفائز بانتخابات تايوان، الرئاسية الدفاع عن الجزيرة المتمتّعة بحكم ذاتي في مواجهة تهديدات الصين التي تصرّ على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها. إن المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي في هذا الإطار مرتفعة، وخاصة بسبب الدور الرئيسي الذي تلعبه تايوان في إنتاج أشباه الموصلات. الحرب في مضيق تايوان ليست احتمالية كبيرة. وإذا حدث ذلك، فإن التقديرات تشير إلى أن إمدادات الرقائق المخنوقة، وطرق التجارة المسدودة، والعقوبات الاقتصادية يمكن أن تكلف ما يصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مما يتفوق على التأثيرات التاريخية للصدمات الكبرى، مثل الأزمة المالية العالمية ووباء كورونا، على الاقتصاد العالمي.
الحرب هي سيناريو "بعيد". ومن المرجح أن لا يؤدي ارتفاع الضغوط إلى حد الصراع إلى خلع الملابسض الشركات الكبرى في السوق مثل "أبل" و"نفيديا" (اللتان تعتبران شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية TSMC من بين الموردين الأساسيين لهما) لمخاطر جيوسياسية.
الانتخابات الأميركية
يشعر المستثمرون بالقلق مع بدء عام 2024 والدخول في عام الانتخابات الأميركية، شأن ردود فعل السوق في هذا الإطار. ومع ذلك، تشير الاتجاهات التاريخية إلى أن نتائج الانتخابات لها تأثيرات ضئيلة على الأسواق على المدى الطويل. ومن المتوقع أن تؤثر القضايا الرئيسية للناخبين الأميركيين هذا العام بشكل كبير على نتيجة الانتخابات وبالتالي على المشهد السياسي. ويتوقع بنك "UBS"، في تقرير أن يلعب المشهد السياسي دورًا رئيسيًا في عام 2024، حيث ينصح المستثمرين بالاستعداد لتقلبات السوق الناجمة عن أسباب سياسية والنظر في التحوط في محفاظاتهم الاستثمارية.
وقد تؤدي عودة ترامب إلى منصبه إلى انقلابات سياسية حادة في عام 2025، وقد تسعرها الأسواق في وقت مبكر. ووعد بفرض رسومات بنسبة 10% على جميع الواردات. إذا قام الشركاء التجاريون بالانتقام بالمثل، فإن ذلك من شأنه أن يقلل 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. سيكون هناك المزيد من التوترات التجارية مع شركاء مثل أوروبا ومنافسين مثل الصين. وقد تتضاءل رغبة أميركا في قيادة حلف شمال الأطلسي العسكري.
النفط
من الممكن أن تشهد أسواق الطاقة نموا إيجابيا خلال العام، شرط تجنب حرب أوسع في الشرق الأوسط. كان من المفترض أن يرتفع سعر النفط في عام 2023، عندما كان الطلب قوياً، وسط خفض أوبك+ المعروض، لكنه انخفض بدلاً من ذلك. وبحال عدم تطور الحرب إلى خارج غزة، فقد تكون الظروف في عام 2024 مواتية لمزيد من الانخفاض. وتشير تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس" إلى أن انخفاض أسعار النفط بنسبة 10% من شأنه أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يقرب من 0.1 نقطة مئوية.