داخل قمرة القيادة على هذه الطائرة من طراز "إيرباص A319"، ثمّة تمثال بوذا برداء برتقالي يحدّق بالطيار خلال تنفيذه انعطافًا كبيرًا في اللحظة الأخيرة ليهبط على مدرّج مطار ضيق، وسط تصفيق عشرات الركاب، الذين قضى بعضهم الدقائق القليلة الماضية بالتمسّك بمساند مقاعدهم.
هذا مجرد يوم عمل عادي آخر في مطار "بارو" الدولي في بوتان، ويُعتبر بشكلٍ كبير من أصعب مواقع هبوط الطائرات في العالم من الناحية الفنية. وتتطلب المناورة على مدرج المطار القصير، الواقع بين قمتين يبلغ ارتفاعهما أكثر من 5 آلاف متر، المعرفة الفنية، والهدوء.
وقد أضاف المطار وموقعه الصعب لمسة من الغموض حول السفر إلى بوتان، وهي مملكة يبلغ عدد سكانها حوالي 800 ألف نسمة، وواقعة في جبال الهيمالايا. وتعني الظروف الفريدة للطيران من وإلى المطار أنّ الطائرات العملاقة ليست مناسبة. ولكن بالنسبة لعشاق الطيران، يعد هذا جزءًا من جاذبية زيارة المملكة.
ويرى الطيار تشيمي دورجي، الذي عمل لدى شركة الطيران الوطنية المملوكة للدولة في بوتان، "طيران دروك"، لمدة 25 عامًا، أنّ المطار "صعب، ولكنه ليس خطيرًا". وشرح دورجي قائلاً: "إنّه يشكّل تحديًا لمهارة الطيار، لكنه ليس خطرًا، لأنّه لم أكن لأطير لو كان خطرًا بالفعل".
ما الذي يجعل مطار "بارو" فريدًا من نوعه
ثمة مجموعة من العوامل الجغرافية التي تجعل مطار "بارو"، ومعظم بوتان، مذهلًا من الناحية البصرية. ويُعد مطار "بارو" مصنفًا ضمن الفئة "C"، ما يعني أنّه يجب على الطيارين أن يتلقوا تدريبًا خاصًا للطيران هناك. ومن الضروري أن يقوموا بإجراء الهبوط يدويًا بدون استخدام الرادار.
ووفقًا لما ذكره دورجي، من المهم أن يحفظ الطيارون التضاريس الطبيعية المحيطة بالمطار، فإن أخطأوا ولو بجزء من البوصة، فقد يجعلك ذلك تهبط فوق منزل شخصٍ ما. وشرح دورجي: "في مطار بارو، تحتاج حقًا إلى التمتع بالكفاءة الكفاءة في المهارات المحلية ومجال المعرفة المحلية".
وتتكون أكثر من 97% من بوتان، الواقعة بين الصين والهند، من الجبال، وتقع عاصمتها، تيمفو، على ارتفاع 2،350 مترًا فوق مستوى سطح البحر. وشرح دورجي، الذي يقوم الآن بتدريب الطيارين وطواقم الطائرات في خطوط "دروك"، أنّه "عند الارتفاعات العالية، يكون الهواء أكثر خفة، لذا يتعين على الطائرة أن تحلق عبر الهواء بشكلٍ أسرع". كما أضاف: "ستكون سرعتك الحقيقية ثابتة، ولكن سرعتك بالنسبة للأرض ستكون أسرع بكثير".
أمّا العامل الثاني الذي يجب مراعته فهو الطقس. وكل من سافر جواً إلى مطار "بارو"، سواء من نيودلهي، أو بانكوك، أو كاتماندو، أو هانوي اضطر الاستيقاظ مبكرًا لرحلته على الأرجح. ويعود السبب لتفضيل مسؤولي المطار هبوط جميع الطائرات قبل فترة الظهر من أجل السلامة القصوى بسبب ظروف الرياح القوية.
ولا يواجه المسافرون هذه المشكلة مع الإقلاع، لذلك يمكنهم الحصول على نوم أفضل ليلاً في آخر أمسية لهم في بوتان بفضل وقت المغادرة التي تكون خلال الظهر. ومع ذلك، لا توجد رحلات ليلية في مطار "بارو"، بغض النظر عن الموسم، وذلك بسبب نقص أجهزة الرادار.
ويتعين إجراء تعديلات مختلفة خلال موسم الرياح الموسمية، الذي يقع عادة بين شهري يونيو/حزيران وأغسطس/آب. وليس من غير المألوف أن تحدث عواصف رعدية في ذلك الوقت من العام، مصحوبة بحبات برد يمكن أن تصل إلى حجم كرات الغولف. وأفاد دورجي: "تقع الرياح الموسمية مقابل خليج البنغال. تأتي الرياح الشمالية الغربية والشمالية الشرقية من الصين. وهناك فترات تهطل فيها الأمطار لأيام".
وفي نهاية المطاف، يرى أنّ تدريب الطيار لا يقتصر على معرفة كيفية الطيران، بل معرفة متى لا ينبغي الطيران، والقدرة على اتخاذ القرار عندما لا يكون الوقت آمنًا للإقلاع. أما العامل الأخير في مستوى صعوبة مطار "بارو" فهو ما يسميه دورجي بـ"العقبات"، أي التضاريس الجبلية المحيطة بالمطار.
ويبلغ طول مدرج مطار بارو 2،264 متر فقط، ويحيط به جبلان شاهقان. ونتيجةً لذلك، لا يتمكن الطيارون من رؤية المدرج من الجو إلا عندما يكونون على وشك الهبوط عليه. ورُغم أنّ بوتان لا تمتلك سوى بضع عشرات من الطيارين المرخصين، إلا أن هناك اهتمامًا وطنيًا في توظيف وتدريب المزيد من الطيارين الشباب محليًا، بدلاً من التوظيف من الخارج فحسب.
ويتعين على الطيارين الطموحين أن يستعرضوا قدرتهم على الطيران في جميع المواسم المتنوعة في بوتان. وباعتبارها شركة الطيران الوطنية، تحمّلت خطوط "دروك" قدرًا كبيرًا من المسؤولية لتدريب الطيارين. وأكّد دورجي، البالغ من العمر 43 عامًا: "أنا أعتبر نفسي.. الجسر بين الجيل القديم والجيل الجديد". ويعتقد الطيار أنّ هناك 50 طيارًا مرخصًا في بوتان، ولكن هذا العدد يمكن أن يتضاعف بسهولة خلال السنوات القليلة المقبلة.