بالقرون الماضية، سجّل التاريخ اندلاع العديد من الحروب الدامية التي أودت بحياة الملايين من البشر. وغالبا، مثلت عمليات التوسع والبحث عن مصادر الغذاء والطاقة والخلافات العرقية والدينية أبرز الأسباب التي أسفرت عن اندلاع هذه الحروب. إلى ذلك، اندلعت بعض الخلافات، التي سرعان ما تحولت لحروب، لأسباب غريبة. فإضافة لحرب بولونيا ومودينا بالقرن الرابع عشر التي اندلعت بسبب سطل وحرب أذن القبطان جنكينز بين الإسبان والبريطانيين وحرب الغوانو (Guano)، التي اندلعت بسبب فضلات الطيور، بين إسبانيا ومستعمراتها السابقة بجنوب القارة الأميركية، يذكر التاريخ حرب مدينة لايجار (Líjar) الإسبانية التي أعلنت بشكل غريب الحرب على فرنسا سنة 1883.

إعلان الحرب على فرنسا
مثلت لايجار قرية صغيرة، قدر عدد سكانها ببضعة آلاف، بمقاطعة ألمرية (Almería) الإسبانية. ومنذ تأسيسها، ظلت الأخيرة غائبة عن الساحة السياسية للبلاد، حيث لم يتدخل سكان لايجار بشؤون البلاد واعتبروا مسالمين من قبل المسؤولين الإسبان. وفي الأثناء، جاءت أحداث زيارة ملك إسبانيا ألفونسو الثاني عشر (Alfonso XII) للعاصمة الفرنسية باريس لتدفع بلايجار نحو الواجهة بفضل التغطية الصحفية التي تلت بداية حالة التوتر بينها وبين فرنسا.

فيوم 29 أيلول/سبتمبر 1883، زار الملك الإسباني ألفونسو الثاني عشر العاصمة الفرنسية باريس. وأثناء تنقله بشوارعها، تعرض الأخير للإهانة من قبل عدد من المحتجين الفرنسيين الذين نعتوه بألفاظ بذيئة وقذفوه بالحجارة. إلى ذلك، لم تأثر هذه الحادثة على العلاقات الإسبانية الفرنسية التي ظلت طيبة ومتينة. وفي مقابل ذلك، أثارت حادثة إهانة الملك ألفونسو الثاني عشر حالة من الغضب بقرية لايجار. وبحلول يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر 1883، أعلن عمدة لايجار ميغال غارسيا سايز (Miguel Garcia Saez) الحرب على فرنسا عقب عقده لجلسة طارئة بمجلس القرية.

نهاية الحرب بعد 100 سنة
أثارت عملية إعلان الحرب من قبل قرية لايجار حالة من الاستغراب بكل من إسبانيا وفرنسا. وطيلة المائة سنة التالية، حافظ المسؤولون بقرية لايجار على حالة الحرب مع فرنسا حيث أيد كل من استلم منصب العمدة هذا القرار الذي اتخذه سنة 1883 ميغال غارسيا سايز. وعلى الرغم من اسمرارها لنحو 100 عام، لم تشهد هذه الحرب أية معارك كما لم يسقط خلالها أي قتيل.

بحلول العام 1983، اتجه عمدة لايجار دييغو سانشير كورتيس (Diego Sanchez Cortes) لإنهاء حالة الحرب مع فرنسا. وانطلاقا من ذلك، تقرب الأخير من المسؤولين الدبلوماسيين الفرنسيين ودعاهم لحضور مؤتمر سلام. وفي الأثناء، وافق المسؤولون الفرنسيون على هذا الأمر أملا في إنهاء هذه الحرب الغريبة التي استمرت لنحو 100 عام. لقي مؤتمر السلام بين لايجار وفرنسا تغطية إعلامية هامة. وفي الأثناء، وقع الطرفان، عقب حفل رسمي، على اتفاقية السلام التي وضعت حدا لحالة الحرب. وخلال السنوات التالية، تحولت هذه الحرب الغريبة التي استمرت لمائة عام لرمز من رموز الفخر والهوية لأهالي لايجار الذين أكدوا على اتخاذهم لهذا القرار دفاعا عن ملكهم.