مطلع يناير 1959، خيّم جو من القلق على إدارة الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور (Dwight D. Eisenhower) بسبب أحداث الثورة الكوبية. فبتلك الفترة، تمكن مناصرو فيدل كاسترو من دخول العاصمة الكوبية هافانا واضعين بذلك حدا لنظام الدكتاتور فولخنسيو باتيستا (Fulgencio Batista) الذي تميّز بتحالفه وصداقته مع المسؤولين الأميركيين. مع استلامه لزمام الأمور، اتجه فيدل كاسترو لإرساء نظام شيوعي، حليف للاتحاد السوفيتي، على مقربة من الأراضي الأميركية مثيرا بذلك حالة من التوتر بالمنطقة خاصة مع تزايد احتمالية تدخل واشنطن بشكل مباشر بكوبا. وفي الأثناء، خلقت أحداث الثورة التي قادها كاسترو حالة من القلق بكوبا. وبسبب ذلك، لم يتردد عدد هام من الكوبيين في مغادرة الجزيرة بحثا عن حياة أفضل، وأكثر أمانا، على الأراضي الأميركية.
بداية هجرة الكوبيين
مع توجه فيدل كاسترو لتأميم الصناعات سنة 1960، غادرت الموجة الأولى من المهاجرين الكوبيين البلاد لتتجه نحو الولايات المتحدة الأميركية. وفي الأثناء، انتمى هؤلاء المهاجرون أساسا للطبقات الوسطى وتميزوا بعدم تأييدهم للدكتاتور باتيستا بالسابق. وقد اتجهت هذه الطبقة من الكوبيين للهجرة حينها بسبب عدم تطابق مصالحها المعيشية مع توجهات النظام.
ومع فشل إنزال خليج الخنازير بالأشهر التالية، اتجهت موجة جديدة من الكوبيين للهجرة ومغادرة البلاد نحو الأراضي الأميركية. وقد تضمنت هذه الموجة حينها التجار وأصحاب الأراضي والحرفيين والإداريين. من جهة ثانية، تزايدت مخاوف الكوبيين من النظام الجديد بالبلاد عقب توجه فيدل كاسترو لإغلاق المدارس والجامعات الخاصة حيث آمن الجميع حينها بحتمية تولي المؤسسات الحكومية مهمة تعليم أبنائهم حسب الأيديولوجية التي آمن بها كاسترو.
وأمام هذا الوضع، شهدت المنطقة ظهور ما عرف بعملية بيتر بان (Peter Pan) التي مثلت برنامجا حكوميا أميركيا سريا لمساعدة الأطفال الكوبيين على مغادرة البلاد. وفي البداية، كان هذا البرنامج موجها لمساعدة الأطفال الذين تعرض آباؤهم لمضايقات من قبل نظام فيدل كاسترو. وتدريجيا، اتجهت الإدارة الأميركية لتوسيع هذا البرنامج السري ليشمل جميع أطفال كوبا.
عملية بيتر بان
ما بين عامي 1960 و1962، اتجه الآباء الكوبيون الذين علموا بعملية بيتر بان لتسفير أطفالهم نحو الولايات المتحدة الأميركية على أمل اللحاق بهم لاحقا. وفي الأثناء، لم يلتق أغلب هؤلاء الأطفال، الذين سافروا نحو الأراضي الأميركية، بآبائهم مرة ثانية.قدّر عدد الأطفال الكوبيين المهجرين نحو الولايات المتحدة الأميركية بما يزيد عن 14 ألفا. وخلافا لما حصل بالسابق مع الأطفال اللاجئين الذين وضعوا بمعسكرات، وفرت الإدارة الأميركية مساعدات ومواقع إيواء لهؤلاء الأطفال الكوبيين في انتظار تبنيهم من قبل عائلات أميركية أخرى.
وإضافة للدعم الذي وفرته الإدارة الأميركية، لم تتردد العديد من المؤسسات الأميركية، إضافة للأثرياء من ذوي الأصول الكوبية، في توفير مبالغ مالية هامة لدعم هذا البرنامج الحكومي المخصص للأطفال الكوبيين. من جهة ثانية، كلّف الراهب الكاثوليكي الأميركي براين والش (Bryan O. Walsh) بمهمة الإشراف والسهر على راحة الأطفال الكوبيين المهجرين. مع بداية أزمة الصواريخ الكوبية، عرفت عملية بيتر بان نهايتها بسبب توقف الرحلات الجوية بين الولايات المتحدة الأميركية وكوبا. من جهة ثانية، ظلت عملية بيتر بان سرية لفترة طويلة حيث لم يعلم بها سوى عدد ضئيل من المسؤولين بولاية فلوريدا التي استقبلت الأطفال الكوبيين بسبب قربها من كوبا.