على مدار سنين أثار برنامج الرعاية الصحية حالة من التجاذبات السياسية في الولايات المتحدة الأميركية. فبينما اتجه عدد من السياسيين لدعمه عبر جملة من القوانين والإجراءات الإضافية، فضّل آخرون تقليص الميزانية الموفرة للرعاية الصحية مؤكدين أنها إهدار للمال العام. وعرف برنامج الرعاية الصحية الأميركي تحولاً هاماً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ويعود الفضل في ذلك للرئيس هاري ترومان (Harry S. Truman)، وإدارته، الذي أدخل تعديلات كبيرة سنة 1946.
خطة تعميم الرعاية الصحية
فأثناء فترة عمله لصالح الجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الأولى، ذهل ترومان من العدد الكبير للشبان الذين صنفوا كغير مؤهلين للخدمة بسبب سوء حالتهم الصحية. وبناء على ما توصل له، يحصل الفقراء على رعاية صحية بفضل المساعدات التي يتلقونها من الجمعيات والبرامج الخيرية كما ينال الأثرياء خدمة صحية جيدة بفضل قدرتهم على سداد الفواتير الباهظة. في حين مثلت الطبقة المتوسطة طبقة مهمشة ومهملة بمجال الرعاية الصحية.
ومع توليه لرئاسة الولايات المتحدة، شيّد ترومان بالنظام الصحي والعاملين بالقطاع الصحي واقترح ما وصفه بالحل المعقول الذي نص على منح الرعاية الصحية للجميع وتمويلها من خلال نوع من الضرائب التي ستفرض على الرواتب. غير أنه لم تتم مناقشة خطة ترومان، التي أصبحت فيما بعد مشروع قانون فاغنر – موراي – دينجل (Wagner-Murray-Dingell)، بتاتاً حيث إنها لم تصل مطلقاً للتصويت بالكونغرس. وفي الفترة التالية، وصف ترومان هذا الأمر بأسوأ فشل خلال فترته الرئاسية.
هيمنة الديمقراطيين المحافظين الجنوبيين
من جهة ثانية، أثارت خطة الرعاية الصحية لترومان قلق الجمعية الطبية الأميركية حيث تخوف الأطباء حينها من فقدان استقلاليتهم لصالح الحكومة. وأمام هذا الوضع، لجأت الجمعية لخدمات إحدى شركات العلاقات العامة لمحاربة خطة الرعاية الصحية. في حين كانت بعض وسائل الدعاية للجمعية الطبية على شاكلة شرائط هزلية أظهرت صفوفاً من المرضى خارج العيادات وروبوتات تقدم الخدمات الصحية للمرضى.
خلال عام 1945، تعذر على ترومان تمرير أي قانون يتعلق بالرعاية الصحية بسبب هيمنة الديمقراطيين المحافظين الجنوبيين على مجلسي النواب والشيوخ. وبالانتخابات النصفية لسنة 1946، استعاد الجمهوريون السيطرة على المجلسين. وعام 1946، تم تمرير قانون هيل بيرتون (Hill Burton) الذي قدّم مزيداً من الأموال الفيدرالية لبناء المستشفيات. وسنة 1965، سافر الرئيس الأميركي ليندون جونسون (Lyndon B. Johnson) إلى مكتبة ترومان بمدينة إندبندنس (Independence) في ولاية ميسوري لتوقيع قانون الرعاية الطبية. وبتلك الفترة، تواجد ترومان قرب ليندون جونسون أثناء توقيع هذا القانون. وفي تصريحاته، وصف جونسون الرئيس السابق ترومان بالأب الحقيقي لبرنامج الرعاية الطبية.