يوم 22 حزيران/يونيو 1941، باشرت القوات الألمانية تدخلها بالأراضي السوفيتية ضمن عملية بربروسا (Barbarossa). وبهذه الخطوة، وضعت ألمانيا حدا لاتفاقية عدم الاعتداء التي وقعت مع الجانب السوفيتي خلال شهر آب/أغسطس 1939. وخلال الأشهر الأولى من الحرب على الجبهة الشرقية، حققت القوات الألمانية تقدما سريعا تمكنت خلاله من الاقتراب من موسكو عقب استيلائها على قسم كبير من الأراضي السوفيتية. وبالفترة التالية، نجح الجيش الأحمر السوفيتي في وقف التقدم الألماني صوب موسكو قبل أن يباشر بشن هجمات مضادة لاستعادة أراضيه.
الوضع قبل معركة كورسك
إلى ذلك، شهدت الجبهة الشرقية معركتين أساسيتين ساهمتا في قلب موازين الحرب العالمية الثانية على الساحة الأوروبية. خلال معركة ستالينغراد، تعرض الجيش السادس الألماني لنكسة عقب محاصرته من قبل القوات السوفيتية. وبسبب ذلك، عصى المارشال الألماني فريدريش باولوس (Friedrich Paulus) أوامر أدولف هتلر واتجه للاستسلام رفقة ما تبقى من قوات الجيش السادس يوم 2 شباط/فبراير 1943. وبحلول شتاء العام 1943، بلغت الحرب بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي طريقا مسدودا عجز خلاله كلا الطرفين عن تحقيق أي انتصارات هامة تذكر. وفي خضم المعارك سنة 1943، كسبت منطقة كورسك (Kursk) مكانة استراتيجية بفضل موقعها وامتلاكها لشبكات سكك حديدية.
من جهة ثانية، اتجه هتلر لإثبات مكانة ألمانيا أمام حلفائها بهذه الفترة الصعبة من الحرب كما حاول في الآن ذاته إرسال رسالة للحلفاء حول امتلاك ألمانيا لقوة عسكرية وصناعية هائلة وقدرتها على مواصلة الحرب. ولتحقيق ذلك، اختار الألمان خوض معركة كبرى ضد السوفييت عند منطقة كورسك. إلى ذلك، خسرت ألمانيا تفوقها العسكري عند منطقة كورسك بسبب تأخرها في تنفيذ عملية عسكرية بها. عقب نجاحه في سحق المقاومة السوفيتية في ببيلغورود (Belgorod) وخاركيف خلال شهر آذار/مارس 1943، اتجه المارشال الألماني إريش فون مانشتاين (Erich von Manstein) للسيطرة على كورسك مستغلا تفوقه العددي وحالة الإنهاك التي عانى منها الجيش السوفيتي. وفي الأثناء، رفضت القيادة العسكرية الألمانية توجهات فون مانشتاين مفضلة بذلك التريث وحشد مزيد من القوات لشن هجوم أكبر على كورسك.
انتصار سوفيتي
استعدادا لمعركة كورسك، حشدت ألمانيا أكثر من نصف مليون جندي و10 آلاف مدفع و2700 دبابة و2500 طائرة. وبالتزامن مع ذلك، دخلت المصانع السوفيتية بحالة إنتاج سريع بهدف تزويد الجيش الأحمر بأكبر عدد ممكن من المعدات العسكرية لمواجهة الألمان بكورسك. وقبيل انطلاق المعركة، حشد السوفييت 1.3 مليون جندي و20 ألف مدفع و3600 دبابة و2650 طائرة. قبيل بداية المعركة، حث المسؤولون العسكريون الألمان هتلر على التخلي عن مهاجمة كورسك بسبب حشد السوفييت لعدد كبير من القوات. وفي الأثناء، رفض هتلر ذلك واتجه في المقابل لتأخير الهجوم، الذي كان من المقرر أن يحدث يوم 3 أيار/مايو 1943، بسبب حالة الطقس وتأخر وصول دبابات بانثر (Panther) وتايغر (Tiger) الحديثة.
وبمعركة كورسك، خسر الألمان عنصر المفاجأة الذي اعتمدوه سابقا. فقبل أشهر، تمكن البريطانيون من فك الشفرة السرية لرسائل الجيش الألماني. وبناء على ذلك، نقل البريطانيون العديد من المعلومات حول الاستعدادات الألمانية وموعد الهجوم على كورسك للسوفييت. يوم 5 تموز/يوليو 1943، استعد الألمان لإطلاق عملية سيتاديل (Citadel). وقبل بداية الهجوم، أطلق السوفييت بشكل مفاجئ قصفا مكثفا على المواقع الألمانية. وفي الأثناء، أخّر القصف السوفيتي هجوم الألمان لساعة ونصف. لاحقا، باشر الجيش الألماني بقصف المناطق الشمالية والجنوبية لكورسك كما اتجه للتقدم بدباباته. إلى ذلك، لم يحقق الألمان أي تقدم على أرض المعركة. وبحلول 10 تموز/يوليو، أوقف السوفييت هجوم الجيش التاسع الألماني شمالا.
جنوبا، حقق الألمان تقدما حيث توغلوا 50 كلم جنوب شرق كورسك وبلغوا منطقة بروخوروفكا (Prokhorovka). وبهذه المنطقة، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الدبابات والمدافع الألمانية والسوفيتية. وعلى الرغم من تكبده لخسائر فادحة، نجح الجيش الأحمر السوفيتي في صد تقدم الألمان وهو الأمر الذي أنهى فعليا الهجوم الألماني. خلال معركة كورسك، خسر الألمان 200 ألف عسكري بينما ارتفعت الخسائر السوفيتية لما يزيد عن 800 ألف عسكري. وفي الأثناء، مثل هجوم كورسك آخر عملية هجومية كبرى شنتها ألمانيا على الجبهة الشرقية. وطيلة ما تبقى من الحرب، اعتمد الألمان وضعية دفاعية أمام زحف قوات الجيش الأحمر.