تنتمي جزيرة أناتاهان (Anatahan) لمجموعة جزر ماريانا الشمالية بالمحيط الهادئ. وقد تم الحديث عن هذه الجزيرة لأول مرة سنة 1543 من قبل البحار الإسباني برناردو دي لا توري (Bernardo de la Torre). وبتلك الفترة، تواجد عدد من السكان الأصليين بهذه الجزيرة. وأواخر القرن السابع عشر، أجبر أغلبية السكان الأصليين لهذه الجزيرة على الرحيل منها، أثناء فترة الحكم الإسباني، والذهاب نحو مناطق سايبان (Saipan) وغوام (Guam). وبالقرن الماضي، كانت جزيرة أناتاهان مسرحا لواحدة من أغرب القصص. فعقب نهاية الحرب العالمية الثانية، اختبأ عشرات اليابانيين بها لسنوات وآمنوا باستمرار الحرب ضد الأميركيين بالمحيط الهادئ.
الناجون اليابانيون بالجزيرة
خلال العام 1899، وافقت إسبانيا على بيع جزر ماريانا الشمالية للإمبراطورية الألمانية. وبتلك الفترة، وضعت ألمانيا هذه المنطقة تحت إدارة غينيا الجديدة الألمانية. وعام 1902، وافقت السلطات الألمانية على استغلال أراضي جزيرة أناتاهان من قبل شركة ألمانية يابانية مختصة بمجال زراعة جوز الهند. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، دخلت اليابان الحرب بصف البريطانيين والفرنسيين والروس معلنة بذلك الحرب على ألمانيا. وبالتزامن مع ذلك، وقعت مستعمرة جزيرة أناتاهان الألمانية بقبضة اليابانيين الذين لم يترددوا في تحويلها لمستعمرة خاصة بهم.
وبعد نحو ثلاثين سنة، اضطرت اليابان للتراجع بالمحيط الهادئ أمام التقدم الأميركي عقب معركة ميدواي (Midway). وخلال شهر حزيران/يونيو 1944، غرقت ثلاث سفن شحن يابانية قرب جزيرة أناتاهان على إثر استهدافها من قبل السفن الحربية الأميركية. وفي الأثناء، تمكن 30 ناجيا يابانيا من بلوغ جزيرة أناتاهان القريبة واختبأوا بها.
أعمال عنف بين الناجين
أثناء ما تبقى من الحرب، عمد هؤلاء الناجون للمكوث بأناتاهان التي تواجد بها عدد من السكان اليابانيين. وللبقاء على قيد الحياة، لم يتردد هؤلاء البحارة الثلاثون في اصطياد وأكل الحشرات. وعقب حصولهم على بعض المعدات التي نهبوها من طائرة أميركية تحطمت بالقرب منهم، أقدم الناجون بأناتاهان على بناء ما يشبه الملاجئ الصغيرة والخيام للاحتماء داخلها.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية لإجلاء من تبقى بجزيرة أناتاهان. ومع مشاهدتهم للأميركيين، رفض الناجون الإيمان بفكرة نهاية الحرب وهزيمة اليابان واتجهوا في المقابل للاختباء داخل الجزيرة. وإضافة لهؤلاء البحارة الثلاثين، تواجدت بالجزيرة امرأة يابانية وحيدة، من سكان أناتاهان، كانت تدعى كازوكو هيغا (Kazuko Higa). وبسبب ذلك، كانت الأخيرة عرضة للخطر من طرف الناجين الذين سعوا جميعا للتقرب منها. بسبب هذه المرأة، اندلعت بين الناجين الثلاثين عداوات شديدة انتهت غالبا بسقوط قتلى. وبناء على تقارير تلك الفترة، قتل 12 فردا من البحارة الثلاثين خلال أعمال عنف. من ناحية ثانية، تمكن الناجون من صناعة نبيذ دو نسبة كحول عالية استخرجوه من جوز الهند وعدد من الأعشاب الأخرى. ولهذا السبب، أصبحت أعمال العنف حدثا شبه يومي.
خلال العام 1950، شاهدت كازوكو هيغا سفينة أميركية قرب الجزيرة. وبعد محاولات عديدة، تمكنت الأخيرة من جذب انتباه الأميركيين الذين حلوا لمساعدتها. ومع سماعهم بقصة البحارة الناجين بالجزيرة، طلبت السلطات اليابانية والأميركية من أهالي هؤلاء البحارة كتابة رسائل لهم لإقناعهم بنهاية الحرب كما عمدت أيضا للحصول على بيان رسمي ياباني حول استسلام اليابان يوم 2 أيلول/سبتمبر 1945. لاحقا، تكفلت طائرة أميركية بإلقاء هذه الرسائل والبيان الرسمي فوق مواقع تواجد ما تبقى من الناجين. ومع قراءتهم لذلك، وافق البحارة اليابانيون على الاستسلام بحلول حزيران/يونيو 1951.