مع حلول الذكرى الـ202 لفك رموز حجر رشيد الشهير، والذي كان سببا في بدء مرحلة تاريخية جديدة وتأسيس علم المصريات، لا يزال الكثيرون لا يعلمون تفاصيل هذه القطعة الأثرية الهامة والنادرة، ولا ملابسات العثور عليها وفك رموزها.
لغة مبهمة لفترة طويلة من الزمن
يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، إنه لمعرفة أهمية هذا الحجر لابد من معرفة ما حل باللغة المصرية القديمة قبله بقرون طويلة، حيث استمر العمل باللغة الهيروغليفية داخل المعابد من قبل الكهنة والتي كانوا يسمونها "الخط المقدس" حتى القرن الرابع الميلادي، وبالتحديد عام 396 ميلادية، وهو التاريخ الذي بدأ به العمل على إغلاق المعابد المصرية القديمة باعتبارها معابد وثنية في هذه الفترة، وهو ما تبعها إلغاء العمل باللغة الهيروغليفية القديمة. وفي هذه الفترة، احتار المصريون ما بين لغتهم الشعبية العامية القديمة "الديموطيقية" واللغة اليونانية أو اللاتينية القديمة وهي لغة المحتل، لتنشأ لغة تجمع بين اللغتين وهي اللغة القبطية القديمة.
ظلت مجهولة لأكثر من 1600 عام
وبعد إلغاء الهيروغليفية وإغلاق المعابد المصرية القديمة في القرن الرابع الميلادي، ظلت اللغة الهيروغليفية مجرد رموز مبهمة للجميع على مدار أكثر من 1600 عام كاملة، وهي الفترة التي وبسبب الجهل باللغة القديمة وعدم المقدرة على قراءتها أو فهما، خرجت الكثير من النظريات المغلوطة حول الأهرامات والمصريين القدماء وحضارتهم، إلى الوقت الذي تم فيه فك شفرة اللغة عن طريق حجر رشيد.
الحجر كان بمثابة "الجريدة الرسمية"
أما عن الحجر، فيعود تاريخه إلى العام 96 قبل الميلاد، في عصر الملك بطليموس الخامس، والذي قام وقتها برد الحقوق التي سلبها والده من الكهنة المصريين، وكمكافأة له أصدر الكهنة هذا الحجر أو اللوحة الحجرية كمرسوم بالجريدة الرسمية، وتم عمل عدة نسخ منه لتوزيعها على المعابد الكبرى بمصر، وتضمنت اللوحة الحجرية 3 لغات لنفس النص وهي اللغة الهيروغليفية، واللغة الديموطيقية، واللغة اللاتينية ، أي "لغة الحكام، ولغة الشعب، ولغة الكهنة". أما محتوى النص على الحجر فكان شكرا من الكهنة المصريين للملك بطليموس الخامس على رد الحقوق لأصحابها، في إشارة إلى رد حقوق الكهنة المصريين بعد أن سلبهم إياها والده الملك بطليموس الرابع.
استخدم الحجر في بناء قلعة برشيد
أما نسخة حجر رشيد المعروفة اليوم فكانت متواجدة بمنطقة "صا الحجر" بمحافظة الغربية حاليا، إلى أن تم نقلها مع أحجار أخرى في القرن الخامس عشر إلى مدينة رشيد لاستخدامها في بناء قلعة هناك للملك قايتباي، حيث كانت تستخدم الأهرامات والمواقع الأثرية المصرية القديمة في ذلك الوقت باعتبارها محاجر لبناء قلاع وأسوار ومبان جديدة في الدولة المصرية.
حجر رشيد حديث العالم
وظل الحجر على حاله في رشيد إلى أن جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، حيث وجده القائد العسكري الفرنسي "بوشار" وتوسم في الحجر أهمية ما، فذهب به لقائد الحملة الفرنسية آنذاك القائد مينو، وكان يوم زفافه، فاهتم مينو بالحجر وطلب نقله على الفور إلى "المجمع العلمي" لبحثه وفك طلاسمه، حيث أصدرت المجلة العلمية التابعة لـ"المجمع" منشورا بأوصاف الحجر إلى العديد من العواصم الأوروبية، حيث أصبح "حجر رشيد" حديث العالم في حينها.
وأكد الخبير الأثري مجدي شاكر، أنه كانت هناك العديد من المحاولات لفك رموز حجر رشيد على مدار سنوات، إلا أنها لم تسفر إلى نتيجة جيدة. ولدى خروج الفرنسيين من مصر اشترط عليهم الإنجليز ترك جميع المتعلقات المصرية التي حصلوا عليها من مصر، ومن بينها "حجر رشيد" الذي سافر إلى بريطانيا وعرض في المتحف البريطاني لسنوات، دون فك شفرة اللغة المصرية القديمة.
كاهن مصري ساعد شامليون في فك شفرة الحجر
وفي عام 1822 وبعد سنوات من البحث والتدقيق، نجح العالم الفرنسي الشاب شامبليون في فك رموز الحجر الغامض، بمساعدة شخص مصري يدعى "يوحنا الشيفتشي" والذي علمه اللغة القبطية، والتي ساعدته بدورها في فك رموز الحجر الشهير. ويقول الخبير الأثري، إن فك رموز حجر رشيد غير وجه العالم، حيث تم فك رموز اللغة التي ظلت غامضة على مدار 1600 عام، وتم تأسيس علم المصريات، لنتعلم والعالم كل يوم المزيد عن إحدى أهم وأكبر الحضارات في العالم، وهي الحضارة المصرية القديمة.
مطالبات باسترجاعه
ولا يزال الحجر النادر "حجر رشيد" معروضا في المتحف البريطاني إلى يومنا هذا، بينما تتواصل المطالبات المصرية برد هذه القطعة إلى بلدها حيث خرجت من البلاد بطريقة غير مشروعة، إلا أن إدارة المتحف تصر على رفض إرجاع القطعة إلى مصر، بدعوى أنها محفوظة في أمان داخل المتحف البريطاني، إلا أن المطالبات المصرية الرسمية والشعبية لا تزال مستمرة لعرض "حجر رشيد" داخل المتحف المصري الكبير في يوم ما.