صدر كتاب جديد يلقي نظرة مفصلة على كيفية "انهيار الحضارة الحديثة" في أعقاب هجوم نووي مفترض، ويتضمن في فصوله تصوراً لما يمكن أن يحدث في العالم إذا تعرضت الولايات المتحدة للقصف بالأسلحة النووية. ويتخيل الكتاب تفاصيل سيناريو مرعب ومروع حيث أن الغابات والمدن ستحترق يشكل يخرج عن السيطرة في جميع أنحاء العالم، فيما ستتجمد الأنهار والبحيرات وتتسمم بالجثث المتعفنة والإشعاع.
وبحسب ما ورد في عرض لكتاب "الحرب النووية: سيناريو" لآني جاكوبسن، نشرته صحيفة بريطانية، فإن البشر القلائل الذين سينجون سيعودون إلى حياة الصيد وجمع الثمار مع انهيار الزراعة، بل إن الناجين المكفوفين العقيمين سوف يقاتلون من أجل الفتات بين الأنقاض.
غلاف كتاب "الحرب النووية: سيناريو" لآني جاكوبسن
يستند الكتاب الجديد إلى مقابلات حصرية مع علماء بارزين عالميين وخبراء بالشأن النووي يصفون كيف سيكون الوضع في الأيام التي يمكن أن تعقب إطلاق أسلحة نووية متعددة في جميع أنحاء العالم، إذ سيملأ السخام المشع الهواء لعدة أشهر، مما يمكن أن يتسبب في انخفاض درجات الحرارة في الولايات المتحدة إلى حوالي 4.4 درجة مئوية، مما سيجعل الزراعة مستحيلة.
5 مليار ضحية مبدئياً
وبحلول الوقت الذي ينقشع فيه الدخان، ستكون طبقة الأوزون قد استنفدت إلى الحد الذي قد يتسبب فيه ضوء الشمس في حروق مميتة. ويتوقع الخبراء أن تؤدي الحرب النووية العالمية إلى مقتل 360 مليون شخص على الفور تقريباً، فور سقوط القنابل، لكن كتاب جاكوبسن يوضح أن هذه الوفيات لن تكون سوى البداية حيث أن 5 مليار شخص سيموتون في أول 72 دقيقة فقط بعد الهجوم النووي.
خراب واسع النطاق
وكتبت جاكوبسون: "لن يتمكن معظمهم من البقاء على بعد خطوات قليلة من المكان الذي يقفون فيه عندما تنفجر القنبلة. سيصبحون ما أشار إليه خبراء الدفاع المدني في الخمسينيات، عندما ظهرت هذه الحسابات المروعة لأول مرة: موتى عند العثور عليهم". بالنسبة لأولئك الذين لا يموتون على الفور، يواجه الناجون أرضاً قاحلة وحرائق غابات ومناطق متجمدة وتعرضاً للإشعاع وعدم وجود طعام وخراب واسع النطاق وأمراض.
الدقائق الأولى
في كتابها كتبت جاكوبسن عن سيناريو خيالي يرى كوريا الشمالية تطلق صواريخ باليستية عابرة للقارات على الولايات المتحدة. بعد اكتشاف الإطلاق، ترد الولايات المتحدة ببدء هجوم نووي خاص هي الأخرى وذلك بإرسال صواريخ فوق روسيا إلى كوريا الشمالية.
ثم ستأمر روسيا بشن هجوم نووي على الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، فتبدأ آلاف الكرات النارية الضخمة في ضرب المدن والبلدات الأميركية، وفي كل موقع تنهار المباني والآثار ويذوب الأسفلت. وترتفع حرارة المدن وتذوب شبكات الطاقة والمحطات النووية، مما سيؤدي إلى قطع الكهرباء والطاقة وإطلاق المواد المشعة في الهواء. وفي هكذا سيناريو، يموت عشرات الملايين من البشر على الفور تقريباً.
بعد ساعات من اصطدام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات تشتد الحرائق المستعرة في الغابات والبلدات في جميع أنحاء نصف الكرة الشمالي وسيحترق كل شيء تقريباً في أميركا، بما يشمل المدن والمحاصيل والغابات. وستمتد حلقات النار من 150 إلى 300 كيلومتر من كل نقطة نووية. ونتيجة لاشتعال النيران في المباني، فستنتشر السموم المحمولة جواً من موادها.
ومن المعروف أن هذه المواد الكيمياوية تتسبب في إتلاف الأعضاء والجهاز العصبي للإنسان، مما يؤدي إلى الإصابة بالسرطان والأعراض العصبية والوفاة. كما ستشتعل حرائق الغابات في الولايات الغربية، حيث ستقتل التساقطات الإشعاعية الأشجار الصنوبرية، وتخلق وقوداً لحرائق مستقبلية. ومع تعرض إمدادات المياه في جميع أنحاء البلاد للخطر، لا يكون هناك إمكانية إخماد الحرائق في جميع أنحاء أميركا.
الأيام التالية للهجوم النووي
ستؤدي المواد المشعة، بما يشمل السترونشيوم 90 واليود 131 والتريتيوم والسيزيوم 137 والبلوتونيوم 239، إلى تسمم البيئة وإتلاف الحمض النووي الذي يسفر عن إصابات بالسرطان وعن حروق كيمياوية في الشبكية والجلد ونزيف وغيبوبة ووفيات. ومن ثم فإن كل من عاش بعد التداعيات الأولية للإشعاع سيبدأ في الموت بسبب مرض الإشعاع والتسمم، مع مقدمات من الغثيان والقيء والحمى والدوار وفقدان الاتجاه والقيء الدموي والإسهال والنزيف الداخلي والالتهابات. كما أن التعرض الشديد للإشعاع في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن قد يتسبب في تسييل الجزء الداخلي من أجسام البشر مع تحلل بطانة الأوعية الدموية. أما القليلين الذين سيبقون على قيد الحياة، فسيعانون من تلف الكروموسومات والعمى والعقم.
الأسابيع الأولى للحرب النووية
في الأسابيع التي ستعقب إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ستبقى إمدادات الغاز الطبيعي والفحم في قشرة الأرض ومستنقعات الخث - الأراضي الرطبة الكثيفة من النباتات المتحللة - تحترق بشكل لا يمكن السيطرة عليه. مع اشتعال النيران في المدن والغابات في جميع أنحاء العالم، سيتم إطلاق ما يقرب من 330 مليار رطل من السخام في طبقة التروبوسفير العليا والستراتوسفير، وهما أدنى وثاني أدنى طبقات الغلاف الجوي للأرض على التوالي. يحجب السخام الثقيل أشعة الشمس وتنخفض درجات حرارة الكوكب بشكل كبير، مما يهيئ الأرض لـ"شتاء نووي".
بعد أشهر من سقوط الصواريخ
قال عالم المناخ آلان روبوك إن "كثافة السخام من شأنها أن تقلل درجات الحرارة العالمية لتصبح 4.4 درجة مئوية، وأقل قليلاً بالقرب من المحيطات". وستنخفض أشعة الشمس الدافئة بنسبة 70% وهو ما يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة، وستكون الولايات المتحدة وأوروبا من بين أكثر المناطق تضرراً. ويقتل نقص الشمس الكثير من نباتات الكوكب والحياة الحيوانية.
عشرات السنين من التداعيات
ستؤدي درجات الحرارة المتجمدة المطولة ونقص ضوء الشمس إلى تقليل هطول الأمطار بنسبة 50%، مما سيؤدي إلى إتلاف المحاصيل في جميع أنحاء العالم. سيعود البشر الناجون إلى العيش كصيادين وجامعي الثمار، حيث سيموت الملايين جوعاً وسيقتل الناجون بعضهم البعض من أجل الإمدادات الغذائية المحدودة. وسيجب على البشر البحث عن الجذور والحشرات والمصادر القليلة للمياه غير الملوثة. كما ستتجمد البحيرات تحت طبقات عميقة من الجليد، بالإضافة إلى تسمم مصادر المياه الأخرى بالمواد الكيمياوية من المنشآت الصناعية.
وبعد سنوات من التداعيات، وذوبان الجليد أخيراً في العالم، ستتسبب ملايين الجثث المذابة في تسمم إمدادات المياه. ثم سيستقر السخام بعد فقد طبقة الأوزون بنسبة 75% من قوتها الواقية، مما سيسمح لأشعة الشمس القوية بالوصول إلى الأرض بدون أي عقبة، مما يؤدي إلى حروق الشمس المميتة. وسيضطر الناجون إلى العيش في الكهوف والوديان للاحتماء. كما سيواجه البشر الأوبئة، حيث تتكاثر الحشرات وتشكل الجثث المذابة أرضاً خصبة لتكاثر الأمراض مما سيقضي على حياة أعداد كبيرة من البشر دون مضادات حيوية أو أدوية.
محو كل أدلة الحضارة الحالية
قال ألبرت أينشتاين ذات يوم عن الحرب النووية: "لا أعرف ما هي الأسلحة التي ستُخاض بها الحرب العالمية الثالثة، لكن الحرب العالمية الرابعة ستُخاض بالعصي والحجارة". وكتبت جاكوبسن إنه حتى مع عودة درجات الحرارة إلى ظروف ما قبل الحرب، فإن البشر في المستقبل، ربما لا يعرفون أبداً أي شيء عن الأشخاص الذين سبقوهم - أولئك الذين لقوا حتفهم بسبب الأسلحة النووية، أو أي أثر للحضارة الحالية، وستختفي كل معرفة الماضي، بما يشمل معرفة أن العدو لم يكن كوريا الشمالية أو روسيا أو أميركا أو الصين أو أي دولة أخرى يتم التشهير بها كدولة أو مجموعة، حيث أنه في واقع الأمر ستكون "الأسلحة النووية هي عدو الجميع منذ البداية"، بحسب الكاتبة.