مع نهاية الحرب العالمية الأولى، أجبرت ألمانيا على قبول شروط الدول المنتصرة. ليس فقط هذا، فإضافة للشروط التي أجبرتها على تقليص حجم جيشها بشكل هائل والتنازل عن قسم من أراضيها ومستعمراتها، وافقت ألمانيا على تسديد مبلغ خيالي بلغت قيمته 132 مليار مارك ذهبي كتعويضات للرابحين. إلا أن الألمان عانوا على مدار السنين التي تلت الحرب العالمية الأولى، من أزمات مالية متعددة أجبرتهم بأكثر من مناسبة على التأخر عن سداد التعويضات. وقد جاءت إحدى هذه الأزمات مطلع الثلاثينيات تزامنا مع أزمة الاقتصاد العالمي الذي واجه انتكاسة غير مسبوقة عقب انهيار بورصة وول ستريت سنة 1929.
معاناة الاقتصاد الألماني
منتصف العام 1931، واجهت ألمانيا أزمة مالية خانقة أدت لانهيار بنك دانات (Danat-Bank) المصنف كثاني أكبر بنك بالبلاد. وبحلول تموز/يوليو 1931، أعلن الرئيس الأميركي هربرت هوفر (Herbert Hoover)، رفقة ممثلي 15 دولة أخرى، عن خطة لوقف سداد التعويضات الألمانية لمدة سنة. وخلال تقرير صادر عن اللجنة الاستشارية الخاصة لبنك التسويات الدولية أواخر كانون الأول/ديسمبر 1931، أكد المسؤولون على عدم قدرة ألمانيا على سداد التعويضات عقب انتهاء المهلة التي منحت لها سابقا حيث واجهت البلاد حينها وضعا اقتصاديا كارثيا. أمام هذا الوضع، دعت ألمانيا لعقد مؤتمر دولي جديد للتشاور حول التعويضات. بادئ الأمر، كان من المقرر أن يقام هذا المؤتمر يوم 18 يناير 1932 بمدينة لوزان السويسرية. وبسبب عدد من العراقيل، تم تأجيل المؤتمر لحدود شهر يونيو/حزيران 1932. وقبل فترة وجيزة من افتتاح أعمال المؤتمر، استقالت حكومة المستشار الألماني هاينريش برونينج (Heinrich Brüning) لتحل بدلا منها، حسب مرسوم رئاسي، حكومة المستشار فرانز فون بابن (Franz von Papen).
مؤتمر لوزان
خلال هذا المؤتمر المنعقد بلوزان، اتجهت الحكومة الألمانية للمطالبة بشطب ما تبقى من التعويضات مؤكدة على تقديمها مبالغ مالية طائلة طيلة السنوات السابقة. مقابل ذلك، رفض الفرنسيون والبريطانيون التوجهات الألمانية، وطالبوا برلين بمواصلة سداد المبالغ المتبقية من التعويضات. كما ربط المسؤولون الألمان الأزمة المالية العالمية بشكل مباشر بالتعويضات المنجرة عن الحرب العالمية الأولى وتحدثوا عن تسببها في انهيار اقتصادات العديد من الدول.
ومع نهاية أعمال المؤتمر، ألزمت معاهدة لوزان الألمان بسداد دفعة مالية بلغت قيتها 3 مليار مارك ذهبي تدفع على شكل سندات بنسبة 5% لصالح بنك التسويات الدولية ببازل السويسرية. من جهة ثانية، لم تكن هذه السندات قابلة للاسترداد إلا بعد 3 سنوات. أيضا، أكد المجتمعون على ضرورة عدم طرح هذه السندات بالسوق قبل 15 سنة في انتظار انتعاش الوضع الاقتصادي العالمي. ولاحقا، وافق المجتمعون، حسب البيان الختامي، على خفض شروط التزامات ألمانيا، المتبقية من تعويضات الحرب، بنحو 90 بالمائة من 33 مليار دولار لحوالي 714 مليون دولار. في حين أثارت اتفاقية لوزان غضب النازيين الذين رفضوها بسبب عدم تطرقها لإنهاء سياسة منع تسلح ألمانيا وإلغاء مبدأ تسبب برلين في اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وكان من المقرر أن تصبح اتفاقية لوزان سارية المفعول حال التوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها لسداد قيمة القروض التي حصلوا عليها من واشنطن خلال الحرب العالمية الأولى. وبسبب عدم التوصل لهذا الاتفاق، لم يتم التصديق على معاهدة لوزان التي لم تصبح صالحة من الناحية القانونية. يذكر أنه ومع صعود النازيين بالفترة التالية، اتجهت ألمانيا لوقف سداد مبالغ التعويضات للدول المنتصرة بالحرب العالمية الأولى كما عمدت في الآن ذاته للبدء في إعادة تسليح نفسها.