عقب حادثة اغتيال ولي النمسا فرانز فرديناند (Franz Ferdinand) بالعاصمة البوسنية سراييفو يوم 28 حزيران/يونيو 1914، شهدت القارة الأوروبية تصاعدا في حدة التوتر بين كل من إمبراطورية النمسا المجر وصربيا. وعقب تعثر المفاوضات والتحقيقات حول الحادثة بين الطرفين، أعلنت النمسا الحرب على صربيا يوم 28 تموز/يوليو 1914. وأمام هذا الوضع، لم يتردد القيصر الروسي نيقولا الثاني في إعلان الحرب على النمسا لتشهد بذلك القارة الأوروبية تفعيل سياسة التحالفات واندلاع الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن سقوط ما يزيد عن 20 مليون ضحية بين قتيل وجريح.
مفاوضات نمساوية فرنسية سرية
خلال العام 1917، دخلت الحرب العالمية الأولى عامها الرابع. وفي الأثناء، واجهت القوات النمساوية مصاعب عديدة على مختلف الجبهات تزامنا مع بداية ظهور بوادر المجاعة بالبلاد. فحسب مصادر تلك الفترة، تراجعت الحصص الغذائية المخصصة للمواطنين والجنود بشكل هائل مقارنة بما كانت عليه مطلع الحرب العالمية الأولى. وأمام هذا الوضع، اتجه الإمبراطور النمساوي تشارلز الأول (Charles I) للدخول في مفاوضات سلام سرية مع الحلفاء. وبادئ الأمر، مال تشارلز الأول للتفاوض مع الفرنسيين اعتمادا على صهره الأمير سيكستوس (Sixtus)، أمير بارما، الذي عمل كضابط بصفوف الجيش البلجيكي.
واعتمادا على سويسرا المحايدة، اتجه تشارلز الأول لفتح قنوات اتصال مع صهره. فضلا عن ذلك، تلقى الأمير سيكستوس من الإمبراطورة زيتا (Zita) دعوة لزيارة فيينا للتشاور والحديث. من ناحية ثانية، شارك الكاتب البولندي جوزيف ريتينجر (Jozef Retinger) بفتح قنوات الاتصال بين جميع الأطراف باعتباره صديقا مقربا من الأمير سيكستوس. وفي الأثناء، تلقى ريتينجر دعما بريطانيا للمشاركة بهذه المبادرة السلمية.
أثناء المفاوضات، قدم الأمير سيكستوس الشروط الفرنسية الأساسية لإنهاء الحرب. وقد تمثلت هذه الشروط أساسا في استعادة الألزاس لورين التي استولت عليها ألمانيا منذ العام 1870 واستعادة استقلال كل من بلجيكا وصربيا وتسليم القسطنطينية لروسيا. إلى ذلك، وافق الإمبراطور النمساوي تشارلز الأول على هذه النقاط من حيث المبدأ وسلم رسالة سرية للأمير سيكستوس خلال شهر آذار/مارس 1917 وعد من خلالها بالسعي لتحقيق الشروط الفرنسية.
فضيحة الرسالة السرية
بالفترة التالية، عرفت هذه المبادرة السرية فشلا ذريعا حيث أكد النمساويون على رفض الألمان لمبدأ التخلي عن الألزاس لورين. فضلا عن ذلك، أكدت القيادة العسكرية الألمانية على قرب انهيار الإمبراطورية الروسية وتوقف القتال على الجبهة الشرقية. عقب إبرام الألمان لاتفاقية برست ليتوفسك (Brest-Litovsk) مع الروس خلال شهر آذار/مارس 1918، ألقى وزير الخارجية النمساوي أوتوكار فون سيزرنين (Ottokar von Czernin) خطابا هاجم من خلاله الوزير الأول الفرنسي جورج كليمونصو (Georges Clemenceau) واصفا إياه بالعقبة الرئيسية أمام السلام. وكرد على ذلك، عمد كليمونصو لنشر رسالة الإمبراطور تشارلز الأول السرية للأمير سيكستوس التي وعد من خلالها بتلبية الشروط الفرنسية للسلام.
Topbanner
جاءت عملية نشر هذه الرسالة لتثير أزمة بالتحالف الألماني النمساوي. وبالتزامن مع ذلك، تخوف النمساويون من غزو ألماني محتمل لبلادهم. إلى ذلك، سارع الوزير النمساوي أوتوكار فون سيزرنين لتكذيب ما جاء بالرسالة محاولا إقناع الألمان بتجاوزها. ومع فشل جهوده، اضطر الأخير للاستقالة من منصبه. أسفرت عملية كشف هذه الرسالة السرية عن تراجع الثقة بين فيينا وبرلين وجعلت، بما تبقى من الحرب، من النمسا دولة خاضعة لتوجهات حليفتها ألمانيا.