مع تزايد حدة التوتر على الساحة الأوروبية وتواصل سباق التسلح البحري بين الألمان والبريطانيين، اتجهت إمبراطورية النمسا المجر بداية من العام 1911 لتعزيز أسطولها البحري المتأخر بعدد من السفن والبوارج الحربية الثقيلة، استعدادا لإمكانية اندلاع نزاع عسكري بأوروبا التي شهدت ظهور سياسة التحالفات العسكرية. من ناحية أخرى، عاشت النمسا وإيطاليا بدورهما على وقع سباق تسلح بحري منذ مطلع القرن العشرين حيث تنافست القوتان من أجل زيادة عدد سفنهما بهدف تعزيز نفوذهما على البحر الأدرياتيكي.
بناء سانت إستفان
وبهذا السياق، وضعت امبراطورية النمسا المجر خطة لبناء واحدة من أكبر السفن الحربية بأوروبا. وبناء على ذلك، قرر المسؤولون النمساويون إطلاق اسم سانت إستفان (Szent István) على هذه السفينة، نسبة للملك المجري التاريخي ستيفين الأول (Stephen I)، أملا في إبراز قوتها ومنحها مكانة هامة لدى سكان الإمبراطورية.
إلى ذلك، خصصت النمسا المجر مبلغ 80 مليون كرونة نمساوية مجرية لبناء هذه السفينة التي انطلقت الأشغال من أجل إنجازها ما بين ديسمبر 1911 ويناير 1912. وبحلول يوم 17 يناير 1914، أعلن رسميا عن انتهاء أشغال بناء سانت إستفان. وخلال شهر ديسمبر 1915، أعلنت السلطات النمساوية عن اكتمال تسليح هذه السفينة النمساوية العملاقة.
وحسب التصاميم، قدر طول سانت إستفان بنحو 152 مترا بينما تجاوز وزنها 20 ألف طن. ولتحريكها، زودت هذه السفينة بمحركات عملاقة عملت بالفحم الحجري وهو ما سمح لها ببلوغ سرعة قصوى قدرت بنحو 20 عقدة. من ناحية أخرى، زودت سانت إستفان بـ12 مدفعا عيار 305 ملم و12 مدفعا عيار 150 ملم و18 مدفعا عيار 70 ملم إضافة إلى 4 قاذفات طربيدات. منذ دخولها الخدمة، مكثت سانت إستفان بميناء بولا (Pula) النمساوي وشاركت بعدد ضئيل من العمليات التدريبية بالحرب العالمية الأولى بسبب الحصار الذي فرضه الإيطاليون والبريطانيون على البحر الأدرياتيكي عقب إغلاقهم لمضيق أوترانتو (Otranto) الرابط بين هذا البحر والبحر الأبيض المتوسط. وفي الأثناء، زار السفينة عدد من كبار الشخصيات، مثل الإمبراطور النمساوي كارل الأول (Karl I) ونظيره الألماني فيلهلم الثاني (Wilhelm II).
غرق السفينة
مع بداية شهر يونيو 1918، عانت الإمبراطورية النمساوية المجرية من تراجع كبير على جبهات القتال. وأمام هذا الوضع، وضعت البحرية النمساوية خطة لكسر الحصار المفروض على البحر الأدرياتيكي عن طريق مهاجمة السفن الإيطالية والبريطانية التي أغلقت مضيق أوترانتو منذ سنوات. ومن خلال هذه العملية، حاول القادة العسكريون النمساويون كسب ثقة الشعب الذي ملّ من سنوات الحرب الطويلة ورفع معنويات الجنود، الذين عانوا من نقص الغذاء، على الجبهات القتالية.
صباح يوم 10 يونيو 1918، حرصت البحرية النمساوية على استدعاء المصورين والصحافيين لمتابعة انطلاق سانت إستفان وتخليد بداية مشاركتها بالحرب. وبهذه العملية الدعائية، سعت السلطات النمساوية لمنح دفعة معنوية للشعب والجيش الذي عانى من تواصل ويلات الحرب ونقص الغذاء. وخلال عملية تصوير انطلاق أفضل سفنهم، فوجئ النمساويون بتعرض سانت إستفان لطربيدين أطلقهما قارب إيطالي من نوع ماس (MAS). وبتلك الفترة، اعتمد الإيطاليون على هذه القوارب الصغيرة والسريعة، التي كانت أشبه بقوارب صيد، لاستهداف سفن العدو ومغادرة المكان على جناح السرعة.
إلى ذلك، صورت عدسات الكاميرا لقطات إصابة سانت إستفان وغرقها حيث مالت السفينة قبل أن تنقلب وتغرق نحو القاع متسببة في مقتل نحو 90 بحارا. وفي الأثناء، تحول ما سعت النمسا لجعله حدثا وطنيا يعيد الأمل للبلاد لكارثة بحرية أثارت قلق وسخط النمساويين خاصة مع ظهور تقارير صحافية تحدثت عن غرق العديد من البحارة العاملين على متن سانت إستفان بسبب عدم إتقانهم للسباحة. على الصعيد الدولي، وصف العديد من الخبراء السياسيين غرق سانت إستفان بالحدث الهام وربطوه بمستقبل الإمبراطورية النمساوية المجرية مؤكدين على قرب انهيارها وتفككها.