يوم 6 حزيران/يونيو 1944، اتجه الحلفاء للبدء بإنزال نورماندي الشهير الذي أسفر خلال الأشهر التالية عن تحرير فرنسا من قبضة الألمان. وفي الأثناء، جاء هذا الإنزال الذي شاركت به، أساسا، القوات الأميركية والبريطانية تلبية لرغبة القائد السوفيتي جوزيف ستالين الذي كان قد طالب حلفاءه في وقت سابق بفتح جبهة أخرى ضد الألمان أملا في تخفيف العبء على قوات الجيش الأحمر بالجبهة الشرقية. وفي خضم إنزال نورماندي، برز عدد من الجنود بفضل التضحيات التي قاموا بها. ومن ضمن هؤلاء الجنود يذكر التاريخ الجندي، ذو الأصول الإفريقية، ويفرلي وودسون (Waverly Woodson) الذي أنقذ حياة المئات من رفاقه المصابين.
بطولات ويفرلي وودسون
يوم إنزال نورماندي، استقبلت نيران الرشاشات والمدافع الألمانية ويفرلي وودسون ورفاقه الذين تلقوا أوامر بالنزول على شواطئ نورماندي والتقدم صوب دفاعات العدو. ومع نزوله على شاطئ أوماها (Omaha)، الذي مثل أحد الشواطئ الخمسة التي جرى عليها الإنزال بنورماندي، أحس ويفرلي وودسون بالغثيان، حيث سقطت بالقرب منه قذيفة أدت لتفجير مركب الإنزال الذي تواجد به وأسفرت في الآن ذاته عن مقتل أحد رفاقه الذين تواجدوا بالقرب منه.
إلى ذلك، مثّل ويفرلي وودسون، الذي أصيب ببعض الشظايا أثناء الإنزال، مسعفا تابعا للوحدة القتالية الأميركية الإفريقية. ويوم إنزال نورماندي، شكّل وودسون وحدة إسعاف عملت على مدار ثلاثين ساعة على مد يد العون للجنود المصابين. وحسب التقارير، عمل ويفرلي وودسون على إزالة الرصاص وتوزيع بلازما الدم وتنظيف الجروح وجبر العظام المكسورة لدى الجنود المصابين. فضلا عن ذلك، أنقذ الأخير أربعة من رفاقه من الغرق حيث عمد هذا الشاب ذو الأصول الإفريقية لانتشالهم من بين الأمواج وسحبهم نحو الشاطئ كما أجرى لهم الإنعاش القلبي الرئوي. وعقب نجاحه في علاج ومساعدة ما لا يقل عن 200 من زملائه، انهار وودسون ونقل نحو إحدى السفن الأميركية. ومع تماثله للشفاء بعد أيام قليلة، طالب ويفرلي وودسون بالعودة نحو شاطئ أوماها للمشاركة ببقية المهمة العسكرية.
تكريم متأخر
مع عودته لوطنه، أشادت صحف السود الأميركيين بويفرلي وودسون ووصفته بأحد أبطال إنزال نورماندي. فضلا عن ذلك، رحبت بعض الصحف الأخرى بهذا الجندي ذي الأصول الإفريقية وصنفته بالشخص الذي ضحى بنفسه وغطى نفسه بالمجد. وفي الأثناء، أصدر الجيش الأميركي بيانا خلال شهر آب/أغسطس 1944 استخدم خلاله عبارات عنصرية وصف من خلالها ويفرلي وودسون بالجندي الأميركي الزنجي المتواضع. ومن ناحية أخرى، أثنى الجنرال الأميركي، والرئيس المستقبلي، دوايت أيزنهاور على وودسون ووصف كتيبته الطبية بالشجاعة.
وعلى الرغم من هذه التضحيات، فلم يحصل وودسون على وسام الشرف الذي يمنح عادة لأولئك الذين يظهرون شجاعة غير عادية بالعمل. وبالتزامن مع ذلك، لم يحصل أي جندي من أصول إفريقية، والمقدر عددهم بمليون جندي، على أي وسام بسبب سياسة الميز العنصري التي تغلغلت بالمجتمع والجيش الأميركي بتلك الفترة.
خلال العام 2005، فارق ويفرلي وودسون الحياة عن عمر ناهز 83 سنة من دون أن يحصل على أي تكريم. وأمام هذا الوضع، طالبت عائلته بضرورة منحه هذا التكريم، عقب نهاية الميز العنصري، بشكل صوري. من ناحية أخرى، عادت قضية وودسون بالسنوات الأخيرة لتثير مزيدا من الجدل حو أهمية تكريم أبطال الحرب المنسيين بسبب سياسية الميز العنصري السابقة. وبعد جهود كثيفة قادها العديد من أفراد عائلته والصحافيين، نال ويفرلي وودسون يوم 3 حزيران/يونيو 2024، أي بعد حوالي 19 سنة عن وفاته، وسام الخدمة المتميزة بشكل صوري. ويعد هذا الوسام ثاني أعلى وسام يمكن منحه لعضو بالجيش.