بالقرن الماضي، أثار التدخل العسكري الأميركي المباشر، وإرسال قوات برية، بفيتنام حالة من الغضب بالشارع الأميركي حيث اتجه عدد كبير من الأميركيين للتظاهر مطالبين بإنهاء الوجود العسكري الأميركي بالمنطقة وإعادة الجنود الأميركيين لمنازلهم. ومع استلامه لزمام الأمور بالبلاد عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 1968، اتجه ريتشارد نيكسون (Richard Nixon) للتعامل مع أزمة حرب فيتنام التي أرقت الأميركيين. وبدلا من سحب قواته، عمد نيكسون للتدخل عسكريا بكمبوديا مثيرا بذلك حالة من الغضب والقلق في صفوف السياسيين والمواطنين الأميركيين.
التدخل بكمبوديا
مع بداية حرب فيتنام، لم تتردد الحكومة الكمبودية في إعلان حيادها رافضة بذلك جر البلاد نحو حرب إقليمية. إلى ذلك، لم يتردد الفيتناميون الشماليون في الاعتماد على عدد من المناطق الكمبودية الحدودية، التي سيطرت عليها قوات الخمير الحمر ذات الميول الشيوعية، للتزود بالمؤن والسلاح. ومع اندلاع الحرب الأهلية الكمبودية، لم يتردد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عام 1969 في إصدار قرار بشن ضربات جوية مكثفة، تضمنت عمليات قصف استراتيجي، ضد ما وصفها بقواعد الشيوعيين بكمبوديا.
ويوم 9 أيار/مايو 1969، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن حقيقة عمليات القصف الجوي السرية التي أمر بها نيكسون. وبسبب ذلك، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع احتجاجات عارمة رافضة لتدخل عسكري أميركي إضافي بالمنطقة عقب التدخل ضد كل من فيتنام ولاوس (Laos) سنة 1964. وبشكل سري، وافق ريتشارد نيكسون بحلول أواخر نيسان/أبريل 1970 على إرسال قوات برية أميركية للتدخل بكمبوديا. وقد جاءت موافقة نيكسون على ذلك عقب انقلاب بكمبوديا أنهى النظام الملكي وتولى على إثره لون نول (Lon Nol) رئاسة الوزراء. يوم 8 أيار/مايو 1970، أعلن ريتشارد نيكسون بمؤتمر صحفي رسميا عن إرسال قوات برية نحو كمبوديا. ولتبرير ذلك، تحدث نيكسون عن السند الذي وفرته هذه القوات، بكمبوديا، لجنود فيتنام الجنوبية وإنقاذها لحياة عدد كبير من الجنود الأميركيين بفيتنام. فضلا عن ذلك، أكد نيكسون أن التدخل بكمبوديا سيعجل بحسم حرب فيتنام وإعادة الجنود الأميركيين لديارهم.
قانون صلاحيات الحرب
أثار التدخل الأميركي بكمبوديا حالة من الغضب في صفوف الأميركيين الرافضين لحرب فيتنام. وخلال شهر أيار/مايو 1970، شهدت العاصمة واشنطن مظاهرات عارمة تواجد بها نحو 100 ألف أميركي. فضلا عن ذلك، شهدت المعاهد والجامعات إضرابات عديدة. وحسب بعض التقديرات، اضطرت نحو 400 جامعة ومعهد لتعليق الدروس بسبب الاحتجاجات. أمام هذا الوضع، اتجه الكونغرس الأميركي لإعادة النظر بالمادة الثامنة من القسم الأول من الدستور التي منحت الرئيس حق إرسال قوات والتدخل عسكريا بمناطق أخرى دون الرجوع للكونغرس.
إلى ذلك، كان الكونغرس قد وجه ضربة للرئيس الأميركي عام 1969 عقب اعتماده لتعديل كوبر شورش (Cooper-Church Amendment) الذي منع القوات البرية والخبراء العسكريين الأميركيين من العمل بكل من لاوس وتايلند. وخلال شهر حزيران/يونيو 1970، أعاد الكونغرس النظر بقرار خليج تونكين (Gulf of Tonkin Resolution) ليحد بذلك من خيارات الرئيس بإعلان الحرب. وبعدها بعام واحد، وجهت صحيفة نيويورك تايمز صفعة للرئيس نيكسون عقب كشفها عن وثائق البنتاغون التي تحدثت عن قيام نيكسون بزيادة التواجد العسكري الأميركي بفيتنام.
وبحلول تشرين الثاني/نوفمبر 1973، مرر الكونغرس الأميركي، على الرغم من الفيتو الذي اعتمده ريتشارد نيكسون، قانون صلاحيات الحرب الذي حد من صلاحيات الرئيس في إعلان الحرب دون المرور بالكونغرس. وحسب هذا القانون، يستوجب على الرئيس اطلاع الكونغرس على عمليات إرسال القوات الأميركية لمناطق الصراع. وفي حال عدم موافقة الكونغرس على ذلك، يسمح هذا القانون للرئيس بإرسال القوات الأميركية نحو مناطق النزاع لفترة لا تتعدى 60 يوما فقط.