عقب التقدم الذي حققته القوات الشيوعية بأراضي الصين القارية، اتجه القوميون الصينيون، بقيادة شيانغ كاي تشيك (Chiang Kai-shek)، للتراجع نحو تايوان معلنين بذلك تواصل نظام جمهورية الصين بها. وفي المقابل، أعلن ماو تسي تونغ مطلع تشرين الأول/أكتوبر 1949 عن إنشاء جمهورية الصين الشعبية، ذات النظام الشيوعي، على أراضي الصين القارية. وفي سياق الحرب الباردة، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية لمد يد العون للقوميين بتايوان. وبفضل ذلك، عرفت العلاقة بين واشنطن وتايبيه تطورا ملحوظا. إلى ذلك، تلقت العلاقات بين الطرفين صفعة عقب حادثة السفارة عام 1957. فبتلك الفترة، عمد التايوانيون لمهاجمة السفارة الأميركية ببلادهم وتخريبها.
حادثة مقتل مواطن تايواني
في نطاق التعاون الأمني بين تايوان والولايات المتحدة الأميركية، اتجهت واشنطن منذ العام 1951 لإرسال أعداد كبيرة من المستشارين والخبراء العسكريين نحو تايوان. وخلال العام 1957، قدّر عدد هؤلاء الخبراء الأميركيين بما يزيد عن 10 آلاف فرد. وبالأراضي التايوانية، حصل هؤلاء العسكريون الأميركيون على معاملة خاصة حيث تمتعوا بنوع من الحصانة وحرية التنقل بالبلاد.
يوم 20 آذار/مارس 1957، أقدم الضابط الأميركي روبرت رينولد (Robert G. Reynolds)، المنتمي للبعثة العسكرية الأميركية بتايوان، على قتل المواطن التايواني ليو زيران (Liu Ziran) عن طريق استهدافه برصاصات قاتلة. وبتصريحاته، تحدث روبرت رينولد عن قيام ليو زيران بالتجسس عليه. وعند مواجهته له خارج المنزل، اندلع خلاف بين الرجلين هاجم خلاله ليو زيران الضابط الأميركي الذي دافع عن نفسه عن طريق إطلاق النار عليه.
وأثناء التحقيقات التي أجراها الطرفان بشكل منفصل، دافع الأميركيون عن تصريحات الضابط روبرت رينولد. وفي المقابل، تحدث المحققون التايوانيون عن قيام الضابط الأميركي بقتل المواطن التايواني بدم بارد مؤكدين على عدم وجود دلائل تثبت صحة تصريحات روبرت رينولد. وأمام هذا الوضع، اتجه الأميركيون لمحاكمة روبرت رينولد. وعقب بضع جلسات، برأت المحكمة الضابط الأميركي وتحدث عن قيامه بقتل المواطن التايواني، الذي اتهم بمحاولة اغتصاب زوجة الضابط الأميركي، دفاعا عن عائلته.
الهجوم على السفارة
في حدود الساعة العاشرة صباحا يوم 24 أيار/مايو 1957، تجمهر الآلاف من التايوانيين، رفقة أرملة ليو زيران، أمام مبنى السفارة الأميركية بتايبيه للتعبير عن احتجاجهم على القرار الأميركي. وبشكل سريع، تحولت الاحتجاجات لأعمال عنف حيث هاجمت الجماهير الغاضبة مبنى السفارة الأميركية وأحرقت السيارات الرابضة بالمأوى. لاحقا، أقدم المحتجون على تخريب مبنى السفارة وأضرموا النار بها كما عمدوا لضرب وسحل عدد من الدبلوماسيين الذين نقلوا عقب تدخل رجال الأمن نحو المستشفى.
من جهة ثانية، عمد المحتجون لمهاجمة عدد من مباني البعثة العسكرية الأميركية وعبثوا بمحتوياتها. وأمام هذا الوضع، أمر المسؤولون التايوانيون الجيش بالتدخل لإعادة الأمن بالعاصمة. أسفرت أعمال العنف يوم 24 أيار/مايو 1957 عن إصابة ما يزيد عن 100 شخص كان من ضمنهم 11 أميركيا. فضلا عن ذلك، قدرت قيمة الخسائر عقب هجوم السفارة بأكثر من 500 ألف دولار أي ما يعادل نحو 5.4 مليون دولار بالفترة الحالية.
أثارت حادثة السفارة غضب السلطات الأميركية التي لم تتردد في تقديم احتجاج رسمي للسلطات التايوانية تزامنا مع اتهامها لعدد من السياسيين بتأجيج أعمال العنف. وبالفترة التالية، باشرت سلطات تايوان بحملة اعتقالات أدت للقبض على أكثر من 100 شخص من المتهمين بالمشاركة بالهجوم على السفارة الأميركية.