لا شك أن الملوك والأمراء على مر التاريخ ليسوا سواسية في طريقة حكمهم أو حجم ممتلكاتهم ولا طريقة موتهم. ومن بين هؤلاء نجد ملوكاً قضوا حياة عظيمة مليئة بالإنجازات المشرفة، إلا أن القدر شاء أن يذكرهم التاريخ بطريقة موتهم المثيرة للسخرية أو الغرابة، بدلاً من أن نتذكرهم بإنجازاتهم وانتصاراتهم. لنتعرف معاً على بعض أغرب الطرق التي توفى بها الملوك والأمراء عبر التاريخ:
لويس دو بوربون- كونت دو سواسون: ولد لويس دو بوربون العام 1604 لعائلة بوربون العريقة، وتولى حكم مقاطعة دوفيني بعد وفاة والده، وكان لا يزال في الثامنة من عمره. عُرف هذا الكونت بولائه التام للملك لويس الثالث عشر، وبالمعارك التي خاضها لردع معارضيه، وفاز في معظمها، ما جعله يحظى بمكانة عالية عند صاحب العرش. اعتلى الكونت عدة مناصب مهمة في الدولة، وكان قائماً على الأمن الداخلي لفرنسا، بالإضافة إلى كونه المسؤول عن توفير خدم الملك من أطباء وموسيقيين وفرق ترفيهية وحتى رجال الدين والحرس الشخصي. وفي غمرة النزاع القائم بين الكاثوليك والبروتستانت، اتخذ الكونت قراراً أحمق كان بمثابة الخيانة للملك، إذ أمر بخطف وقتل الكاردينال روشوليو الذي كان يعتبر اليد اليمنى للويس الثالث عشر، وبعد فشل محاولة الاختطاف افتضح مخطط لويس دو بوربون فتحول إلى عدو للملك.
لجأ الكونت لويس إلى دوق مقاطعة سيدان طالباً الحماية، وكان الدوق بروتستانتياً على عكس الملك، وهو الأمر الذي أدى إلى نشوب معركة "لا مارفي" العام 1641، فأرسل لويس الثالث عشر قواته للقضاء على الكونت الخائن ومضيفيه البروتستانيين، وكما كانت العادة، انتهت المعركة بفوز الجانب الذي قاده الكونت لويس دو بوربو. كان الجميع يصرخ محتفلاً بالنصر، حين سقط الكونت عن حصانه، وعندما هرعوا إليه وجدوه قد فارق الحياة، فكيف حصل ذلك؟ في الواقع، كان الكونت يملك عادة غريبة تتمثل في خلع خوذته بعد المعارك، مستخدماً بندقيته، لكن ما حدث هذه المرة أنه ضغط على الزناد دون قصد ففجّر رأسه، بعد فوز ساحق، وبهذا فارق الكونت دو سواسون الحياة في السابعة والثلاثين من عمره.
الملك تشارلز الثامن: نبقى في فرنسا وهذه المرة مع الملك تشارلز الثامن، الذي تولى الحكم منذ أن كان عمره ثلاثة عشر عاما تحت وصاية أخته الكبرى آن دو بوجو، بعد وفاة والدهما الملك لويس الحادي عشر العام 1483. وقد حقق تشارلز العديد من الإنجازات طيلة حياته، أهمها حماية بلده من غزو الدوقية البريطانية، بقرار حكيم يقضي بزواجه من "الدوقة آن" البريطانية، وتمكّن بهذا من توحيد الدولتين دون الإضرار ببلده. أنجب تشارلز عدة أطفال، لكنهم توفوا جميعاً قبل أن يتموا بعمر الثالثة، لكن ما يهمنا هنا هو حدث إنجاب الدوقة -التي أصبحت ملكة لفرنسا- لطفلة ولدت ميتة، وهو الأمر الذي أدخلها في نوبة من الحسرة والاكتئاب، جعلت زوجها يقدم لها عرضاً بمرافقته لمشاهدة مباراة لـ"لعبة الكف" ليخفف عنها، وهي لعبة كانت تشبه لعبة التنس الحالية نوعاً ما.
وأثناء دخوله لمنصة اللعب، قام الملك بضرب رأسه عن طريق الخطأ في إطار الباب، وكانت ضربة قاسية جداً، لكنه أصر على البقاء بجانب زوجته، وتمكّن من حضور بداية المباراة إلى أن فقد الوعي فجأة، ليفارق الحياة بعد ساعات من إصابته في سن لم يتعد 27 عاماً.
السلطان محمد بن داود: السلطان المعروف باسم "ألب أرسلان"، الذي يعني بالتركية الأسد الباسل، حكم دولة بني سلجوق الممتدة من آسيا الوسطى إلى بلاد الشام.كان عهداً ذهبياً، إذ تمكن السلطان من توسيع حدود الدولة، وأحرز انتصارات حربية مشرفة، وكان منها انتصاره في معركة ملاذكرد ضد قوات الإمبراطورية البيزنطية. أما وفاته فقد جاءت بعد أن قرر اجتياح دولة تركستان التي حكمها أجداده، وهكذا، بدأ السلطان بالاستحواذ على عدة قصور في طريقه للدخول إلى الدولة المذكورة، إلى أن وصل إلى قصر حاكم يدعى يوسف الخوارزمي رفض الخضوع لأوامر ألب أرسلان.
قام جنود السلطان بالقبض عليه، إلا أن الحاكم الغاضب أخذ خنجره وهمَّ بطعن السلطان، فقرر السلطان مواجهته بنفسه وطلب من جنوده التراجع وعدم الدفاع عنه، تناول سهمه وهمَّ باستهداف يوسف الخوارزمي، فشاء القدر أن تنزلق قدم السلطان ويقع أرضاً ليقوم الحاكم يوسف الخوارزمي بطعنه دون تردد قبل أن يتدخل الجنود، وهكذا، توفي السلطان ألب أرسلان متأثراً بجراحه بعد أربعة أيام، في عمر الثالثة والأربعين.
الملك لويس الثالث: حكم فرنسا الغربية لثلاث سنوات فقط، وذلك خلال الفترة بين العام 879 وحتى العام882، وكان لا يزال في السادسة عشرة من عمره. أما وفاته فكانت ناتجة عن نفس السبب الذي توفي في إثره تشارلز الثامن، فقد اصطدم رأسه بحافة الباب، إلا أن موت لويس الثالث لم يكن "رومانسياً" كالأخير، فقد اصطدم رأسه عندما كان يطارد فتاة صغيرة، ممتطياً حصانه، وهكذا، تسببت هذه الضربة في إنقاذ الفتاة، وفي وفاة الملك لويس الثالث بعد أيام من إصابته، وكان عمره لم يتجاوز التاسعة عشرة.
الملك اليوناني بيروس الأول: الذي حكم كلا من منطقة مقدونيا ومنطقة إيبيروس ومنطقة صقلية، قضى حياته من انتصار لآخر، إلا أن موته كان بطريقة غريبة لا تليق بأي شكل من الأشكال بعظمة حياته. إذ قامت سيدة عجوز، كان الملك يتعارك مع ابنها، بإلقاء جرة فخارية من سطح بيتها على رأس الملك الذي وقع من على ظهر فرسه، لكن أحداً لم يعرف إن كان قد مات أو فقد الوعي فقط، وخوفاً من الرعب الذي ينتظرهم إذا أفاق بيروس، قام أحد جنوده المقدونيين بقطع رأسه، ليتأكد رحيله في سن الرابعة والخمسين، وذلك في العام 272 قبل الميلاد.