ما بين يومي 8 و9 تشرين الثاني/نوفمبر 1923، اهتزت ألمانيا على وقع محاولة انقلابية فاشلة قادها النازيون ببفاريا (Bavaria). وأثناء هذا الانقلاب الذي حاول خلاله هتلر الزحف على برلين، تدخل الجيش الألماني ليتمكن بعد تبادل كثيف لإطلاق النار بميونيخ من إنهاء الأزمة واعتقال أدولف هتلر. وساهم هذا الانقلاب الفاشل بشكل كبير في رفع مستوى التأييد الشعبي لأدولف هتلر الذي وصف من قبل كثيرين حينها بالبطل ومنقذ البلاد التي عاشت على وقع أزمات سياسية واقتصادية عديدة.
أزمات بألمانيا
مع نهاية الحرب العالمية الأولى، عانت ألمانيا من مشاكل عديدة. فإضافة لعدد قتلاها المرتفع الذي قدّر بنحو 1.7 مليون شخص، عانت ألمانيا من نقص فادح بالمواد الغذائية. وإضافة لذلك، واجهت البلاد خلال العام 1923 تضخما كبيرا أسفر عن انهيار قيمة المارك الألماني أمام الدولار الأميركي. وحسب مصادر تلك الفترة، بلغت قيمة الدولار الأميركي الواحد، بأهم فترات الأزمة المالية، 4.2 مليون مارك ألماني.
إلى ذلك، أجبرت ألمانيا على دفع تعويضات مالية هائلة للدول المنتصرة بالحرب العالمية الأولى. ومع تخلفها بعملية دفع بعض الأقساط، تعرضت ألمانيا مطلع العام 1923 لغزو فرنسي عمد خلاله الجنود الفرنسيون لاحتلال منطقة الرور (Ruhr) الصناعية. في خضم هذه الأحداث بألمانيا، برز بميونيخ أدولف هتلر الذي قدّم العديد من الخطابات الحماسية لصالح حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني المعروف أكثر بالحزب النازي. وبحلول العام 1921، تمكن أدولف هتلر من تزعّم الحزب النازي عقب نجاحه في إزاحة مؤسس الحزب آنتون دريكسلر (Anton Drexler).
فشل الانقلاب وفوز بانتخابات 1930
ومتأثرا بالطريقة التي حصل بها موسوليني على السلطة بإيطاليا عام 1922 عقب زحفه على روما، وضع أدولف هتلر خطة للاستيلاء على ميونيخ عاصمة بافاريا قبل الانطلاق فيما بعد نحو برلين للإطاحة بالحكومة والحصول على مقاليد الحكم بألمانيا. يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1923، اتجه أدولف هتلر لتنفيذ خطته. وانطلاقا من ذلك، اجتاح الأخير، رفقة مجموعة كبيرة من المسلحين النازيين وأفراد من كتيبة العاصفة، قاعة حانة بيرغربراوكيلر بير هال (Bürgerbräukeller beer hall) التي تجمهر بها نحو 3 آلاف شخص خلال مؤتمر سياسي حضره المسؤول البافاري غوستاف فون كار (Gustav von Kahr). عقب خطفه واجتماعه بفون كار واثنين من العسكريين البارزين بالمنطقة، حظي أدولف هتلر بدعم هؤلاء الثلاثة ليعلن بذلك بداية العملية الانقلابية. وحال تحريره من الحجز، أقدم فون كار على تحذير الشرطة والجيش من وجود عملية انقلابية يقودها هتلر بميونيخ.
ومع فشله في تأمين عدد من المباني الرئيسية التي استولى عليها الجيش والشرطة، اضطر أدولف هتلر للتراجع نحو الشوارع الرئيسية ليعلن صباح يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1923 عن مسيرة بشوارع ميونيخ لجمع أكبر عدد ممكن من المؤيدين. ومع اعتراضهم من قبل فرقة من رجال الأمن البافارية، اندلعت بشوارع ميونيخ اشتباكات مسلحة أودت بحياة 15 فردا من رجال هتلر إضافة لأربعة من رجال الأمن. وخلال تبادل إطلاق النار، أصيب أدولف هتلر على مستوى كتفه بينما قتل الرجل الذي تواجد أمامه مباشرة عقب إصابته برصاصة بصدره. عقب فشل الانقلاب، اتجه أدولف هتلر للاختباء لمدة يومين قبل أن يقع في النهاية بقبضة رجال الأمن الذين اقتادوه لسجن لاندسبرغ (Landsberg).
وعلى الرغم من مواجهته لتهم تتعلق بالخيانة العظمى وحكم قد يصل للسجن المؤبد، تمكن أدولف هتلر من إبهار القاضي أثناء المحاكمة بخطاباته الحماسية. وبفضل ذلك، نال هتلر حكما بالسجن لمدة 5 سنوات كما سمح له بالحصول على إطلاق سراح شرطي بعد 6 أشهر فقط. وأثناء فترة سجنه، اتجه أدولف هتلر لتأليف كتابه كفاحي. عقب خروجه من السجن، ظل أدولف هتلر بعيدا عن السياسة لبضع سنوات قبل أن يعود مجددا لقيادة الحزب النازي عقب الهزيمة بانتخابات 1928 التي حصل خلالها النازيون على 12 مقعدا فقط. وعقب إعادة هيكلته للحزب وسياسته، نجح أدولف هتلر في الظفر ب107 مقاعد بالبرلمان بانتخابات العام 1930 ليكون بذلك على رأس ثاني أكبر حزب بالبلاد.