خلال أعمال التنقيب في موقع بومبي بإيطاليا، اكتشف علماء الآثار بناء قديمًا، يكشف عن تقنيات البناء الرومانية التي استخدمها البناؤون في ذلك الوقت، بحسب وزارة الثقافة الإيطالية. كانت مدينة بومبي الرومانية القديمة موطنًا لنحو 20 ألف شخص، قبل أن يدمّرها ثوران بركان في عام 79 بعد الميلاد، والذي كان مرئيًا من مسافة تفوق 40 كيلومترًا (25 ميلًا)، ما تسبب بوفاة أكثر من 2000 شخص كنتيجة مباشرة.
وساعد هذا الاكتشاف علماء الآثار في إيطاليا على اكتساب مزيد من التفاصيل حول كيفية تمكّن الرومان من بناء مثل هذه الهياكل المتينة والمبتكرة مثل الكولوسيوم والبانثيون. وأفاد ماسّيمو أوسانا، المدير العام للموقع، في بيان صحفي الإثنين، أنّ علماء الآثار اكتشفوا ما يرجّح أن يكون موقع مبنى قيد البناء، وربما يوصف بدقة أكبر على أنّه تجديد منزل.
مبنى قديم تجمد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرومانية
وأشار أوسانا إلى أنّ "أعمال التنقيب.. تُسفر، كما هو متوقع، عن نتائج مهمة لمعرفة المدينة القديمة". ولفت العلماء إلى أن المنزل الذي تم تجديده كان مجاورًا لمخبز حيث حُبس الأشخاص الذين كانوا يخضعون للعبودية والحمير معًا، واستخدموا لتشغيل طاحونة. وكانت ردهة المنزل مفتوحة جزئيًا على السماء، وكانت مواد البناء مكوّمة قرب درج محاذٍ لباب التابلينوم أو منطقة الاستقبال التي كانت مزينة بلوحة أسطورية لأخيل في (جزيرة) سكيروس، تصوّر البطل اليوناني القديم الذي اشتهر جراء مغامراته في حرب طروادة.
وبحسب ما ورد في بيان الوزارة، وقع العلماء على أرقام رومانية مكتوبة بالفحم، يُرجّح أنها ملاحظات كتبها عمال البناء. وفي الاكتشاف الأخير، عثر علماء الآثار على أدلة لوجود الجرار، إلى جانب أدوات مثل أوزان الرصاص لسحب الجدران الثقيلة، والمعاول الحديدية المستخدمة لخلط الملاط.
ولفتت وزارة الثقافة إلى أنّه "حتى في المنزل المجاور الذي يمكن الوصول إليه من باب داخلي، وداخل مسكن كبير قائم خلف المنزلين، الذي لم يخضع للتحقيق فيه إلا على نحو جزئي إلى الآن، عثروا على دليل لموقع بناء كبير آخر". وأشارت الوزارة إلى أن هناك أدلة تُوضح وجود أكوام هائلة من الحجارة، والسيراميك، والبلاط، تم جمعها لتحويلها إلى كوكسيوبيستو، وهو غطاء أرضي شائع مصنوع من الجص، والطوب المسحوق المستخدم في جميع أنحاء المدينة القديمة.
ويعقب هذا العمل المستمر تقرير صادر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في يناير/كانون الثاني 2023، أوضح سبب كون الخرسانة القديمة أقوى بكثير من الخرسانة الحديثة. تعاونت حديقة بومبي الأثرية مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في إعداد التقرير.
كان الخبراء يعتقدون سابقًا أن الجير الحي المستخدم في تجصيص الجدران تم خلطه مسبقًا مع الماء قبل استخدامه، لكن الاكتشافات الأخيرة تظهر كيف قام العمال بخلطه مع الماء في الموقع قبل استخدامه. وكانت النتيجة تعني أنه كان ساخنًا للغاية عند الاستخدام، لكنه أكثر فعالية بكثير في إعطاء سطح صلب طويل الأمد، وهو ما يتماشى مع الأبحاث الحديثة التي تظهر أن الخرسانة القديمة والبناء يدوم أكثر من الخرسانة الحديثة.
وترسم النتائج الأخيرة صورة أكمل لكيفية عيش الرومان القدماء. وقال غابرييل زوتشتريجيل، مدير الحديقة، في بيان إنه "مثال آخر على كيف تتيح لنا مدينة بومبي الصغيرة فهم أمور كثيرة عن الإمبراطورية الرومانية العظيمة، ليس أقلها استخدام الإسمنت". وتابع: "من دون الإسمنت لن يكون لدينا الكولوسيوم ولا البانثيون ولا حمامات كاراكلا".
وأضاف زوتشتريجيل: "نحن الآن نتواصل بين المؤسسات البحثية لدراسة المعرفة البناءة للرومان القدماء: ربما يمكننا التعلم منهم، دعونا نفكر في الاستدامة وإعادة استخدام المواد". وقد رفعت إيطاليا أخيرًا ميزانيتها المخصصة لبومبي، ما من شأنه أن يسمح بالمزيد من العمل. وقال وزير الثقافة الإيطالي جينارو سانجوليانو في بيان، بشأن الاكتشاف الأخير إن "بومبي هي كنز ولم يتم الكشف عن كل شيء بجماله الكامل. الكثير من المواد لم تظهر بعد".