خلال العقود الماضية، تابع العالم عن كثب وقائع العديد من الكوارث الجوية التي أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى. فإضافة للطائرات المخطوفة خلال أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 وكارثة الرحلة الجوية 123 التابعة للخطوط الجوية اليابانية عام 1985، يذكر التاريخ وقائع حادثة مطار تينيريف (Tenerife) بإسبانيا قبل نحو 47 سنة التي راح ضحيتها المئات من المسافرين وصنفت كأسوأ كارثة جوية على مر التاريخ.
هجوم واكتظاظ بالمطار
وتعود أطوار هذه الحادثة ليوم 27 آذار/مارس 1977. فخلال ذلك اليوم، أقدم عدد من أفراد حركة استقلال جزر الكناري، الانفصالية، على تفجير قنبلة بمطار غران كناريا (Gran Canaria). وبسبب عدم امتلاكها لحلول عاجلة لمعالجة هذه الأزمة، أقدمت السلطات الإسبانية على تحويل عدد كبير من الرحلات الجوية، بشكل عاجل، نحو مطار لوس روديوس (Los Rodeos) بسان كريستوبال دي لا لاغونا (San Cristóbal de La Laguna) بجزيرة تينيريف. وعلى إثر هذا الإجراء، اكتظ مطار لوس روديوس بالطائرات كما تعطلت حركة الإقلاع وأصبحت غير منتظمة بممر تدريج الطائرات. من جهة ثانية، عرفت جزيرة تينيريف يوم 27 آذار/مارس 1977 ضبابا كثيرا جعل الرؤية شبه منعدمة وزاد من مخاطر الكوارث الجوية بالمطار المكتظ.
أسوأ كارثة جوية بالتاريخ
ويوم وقوع الهجوم بمطار غران كناريا، أجبرت طائرة أميركية من نوع بوينغ 747، تابعة لخطوط بان أميركان (Pan American)، تواجد على متنها 396 راكبا على تغيير وجهتها للنزول بمطار لوس روديوس بتينيريف. وأثناء نزولها بمدرج الهبوط، تواجدت بالمكان طائرة أخرى من نوع بوينغ 747، تابعة للخطوط الجوية الملكية الهولندية، كانت بصدد الإقلاع حاملة على متنها ما يقارب 248 مسافرا. وبسبب الضباب الكثيف وسوء التنسيق بين الطائرتين وبرج المراقبة، اصطدمت الطائرة الهولندية بنظيرتها الأميركية عند مدرج الهبوط، أسفر حادث الإصطدام بمدرج الهبوط بمطار لوس روديوس عن انفجار هائل واندلاع حريق بالمكان استوجب تدخلا سريعا من فرق الإطفاء. وفي الأثناء، أدى هذا الإصطدام لمقتل 583 مسافرا على عين المكان وإصابة 61 آخرين ليصنف بذلك كأسوأ كارثة جوية بالتاريخ.
حسب التحقيقات التي أجريت لاحقا، تحدثت السلطات الإسبانية عن خطأ ارتكبه قائد الطائرة التابعة للخطوط الجوية الملكية الهولندية حيث آمن الأخير، بشكل خاطئ، بصدور إشارة الإقلاع له من قبل برج المراقبة بالمطار. وبسبب ذلك، تواجدت الطائرة الهولندية بمدرج الهبوط لحظة نزول الطائرة الأميركية. بادئ الأمر، رفضت مؤسسة الخطوط الجوية الملكية الهولندية القبول بنتائج التحقيق واتجهت لفتح تحقيق ثان. لاحقا، خلص التحقيق الهولندي لنفس النتيجة. ومع إقرارها بخطأ طيارها، وافقت الخطوط الجوية الملكية الهولندية على تقديم تعويضات لأهالي جميع الضحايا.