يوم 8 مايو 1945، عرفت الحرب العالمية الثانية نهايتها على الساحة الأوروبية تزامناً مع سقوط برلين وتوقيع الألمان على اتفاقية استسلامهم. وبفضل ذلك، كسب عدد من السياسيين والعسكريين، في صفوف الحلفاء، مكانة هامة بدولهم ووصفوا بـ"الأبطال القوميين والمحررين". فبالجانب السوفيتي، تزايدت شعبية جوزيف ستالين بشكل لافت للانتباه بين السوفييت. وفي بريطانيا، تحول رئيس الوزراء ونستون تشرشل لـ"بطل قومي" ولقّب من قبل كثيرين بالرجل الذي هزم أدولف هتلر. وعلى الرغم من هذه المكانة الهامة، أقصي تشرشل خلال يوليو 1945 من منصبه كرئيس للوزراء عقب خسارته للانتخابات. ويعزى سبب هذه الخسارة، حسب العديد من المحللين، لنظرة البريطانيين لمستقبل بلادهم ما بعد الحرب.
مخاوف البريطانيين
منذ مايو 1940، تولى تشرشل منصب رئيس الوزراء عقب تشكيل مجلس حرب ضم بصفوفه سياسيين من الأحزاب الأخرى. ومع نهاية الحرب على الساحة الأوروبية، دعا لإجراء انتخابات برلمانية لتحديد تشكيلة مجلس النواب المستقبلية. فيما لقيت دعوته ترحيباً في البرلمان الذي صوت بأغلبية ساحقة لصالح إجراء هذه الانتخابات. وقبل موعد الانتخابات، شهدت بريطانيا سجالاً حول مستقبل البلاد ما بعد الحرب العالمية الثانية والسياستين الداخلية والخارجية تزامناً مع بداية الحرب الباردة التي هددت بإمكانية اندلاع نزاع عالمي جديد بين الاتحاد السوفيتي وحلفائه الغربيين.
وفي خضم الحملة الانتخابية، اتجه تشرشل للترويج لحزب المحافظين اعتماداً على الصورة والشعبية الكبيرة التي كسبها خلال الحرب العالمية الثانية. وانطلاقاً من ذلك، آمن بحتمية فوز حزب المحافظين وحفاظه على منصب رئيس الوزراء. غير أن الناخبين البريطانيين تخوفوا منه ووصفوه بقائد الحرب. فضلاً عن ذلك، تحدث كثيرون عن قدرة تشرشل على إدارة شؤون البلاد في زمن الحرب واستحالة نجاحه في تقديم إضافة لبريطانيا زمن السلم. من جهة ثانية، أعادت هذه الانتخابات للأذهان أحداث الثلاثينيات. فعقب فوزهم بالانتخابات، فشل المحافظون في احتواء الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة كما عجزوا عن تقديم مخطط واضح لإنقاذ البلاد.
رحيل تشرشل
في الجهة المقابلة، مثل حزب العمال أهم منافس للمحافظين. وعلى رأس هذا الحزب تواجد السياسي كليمنت أتلي (Clement Attlee) الذي شغل بوقت سابق منصب نائب رئيس الوزراء أثناء الحرب. وبالنسبة لكثير من البريطانيين، مثّل أتلي الشخصية الملائمة لقيادة بريطانيا ما بعد الحرب ووصفوه بالرجل المعتدل والقادر على إدارة الأزمات الداخلية بشكل ملائم. وعقب صدور نتائج الانتخابات التي أجريت في يوليو 1945، حقق حزب العمال فوزاً ساحقاً حيث حصد 393 مقعداً، محققاً تقدماً بنحو 239 مقعداً مقارنة بالانتخابات السابقة، مقابل 197 مقعداً لحزب المحافظين الذي خسر 189 مقعداً بالبرلمان مقارنة بالانتخابات السابقة.
إلى ذلك، مثلت نتائج الانتخابات صدمة لحزب المحافظين ولتشرشل الذي اضطر للتخلي عن منصبه ومغادرة مكتبه دون أن يشهد هزيمة اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية بشكل رسمي. ويوم 26 يوليو 1945، انتهت مهام تشرشل كرئيس للوزراء ليحل بدلاً منه أتلي الذي اتجه لبدء تطبيق برامج الإصلاح الداخلي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.