بعد حوالي قرنين من العزلة العالمية، اتجهت اليابان عقب حادثة بعثة بيري (Perry) وإصلاحات ميجي (Meiji) عام 1868 التي أنهت فترة شوغونية توكوغاوا (Tokugawa)، وأعادت السلطة للإمبراطور الياباني، للانفتاح على العالم وتدارك تأخرها العلمي والتكنولوجي. وانطلاقا من ذلك، أقام اليابانيون علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول، أملا في الحصول على مكاسب اقتصادية وعلمية. وفي الأثناء، مثلت الدولة العثمانية إحدى هذه الدول التي اتجهت اليابان لبناء علاقات دبلوماسية معها. وبناء على ذلك، حاول العثمانيون أواخر القرن التاسع عشر زيارة أرخبيل اليابان، اعتمادا على الفرقاطة أرطغرل، للقاء الإمبراطور ميجي.
الاستعداد للتوجه لليابان
أثناء إبحارها بمهمة دبلوماسية وتعليمية نحو أوروبا، حلت السفينة اليابانية سايكي (Seiki) خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1878 بإسطنبول. وهنالك، التقى أفراد البعثة اليابانية بشكل سريع بالسلطان العثماني عبد الحميد الثاني قبل أن يواصلوا طريقهم صوب المدن الأوروبية. وبعدها بثلاث سنوات، حل الدبلوماسي الياباني ماساهارو يوشيدا (Masaharu Yoshida) بإسطنبول أملا في إبرام اتفاقيات تجارية مع الجانب العثماني. وعقب زيارة الأمير الياباني كاماتسو أكيهيتو (Komatsu Akihito) لها عام 1887، قررت الدولة العثمانية إرسال وفد نحو أرخبيل اليابان، لأول مرة بتاريخها، للقاء الإمبراطور.
وخلال شهر شباط/فبراير 1889، اجتمع الوزير كامل باشا بقائد البحرية العثمانية حسن حسنو باشا للتشاور معه حول إرسال فرقاطة عثمانية نحو اليابان. وبهذه الرحلة، طالب كامل باشا بإرسال عدد من خريجي الكلية البحرية العثمانية لإبراز قدرتهم على الإبحار لمسافات بعيدة. من جهته، عرض قائد البحرية العثمانية حسن حسنو باشا الاعتماد على الفرقاطة أرطغرل للقيام بهذه المهمة مؤكدا على قدرة الأخيرة على الإبحار نحو اليابان. فضلا عن ذلك، عين حسن حسنو باشا الكابتن بالبحرية العثمانية علي عثمان باشا للقيام بهذه المهمة بفضل إتقان الأخير للعديد من اللغات.
كارثة بحرية بأول زيارة لليابان
منتصف شهر تموز/يوليو 1889، أبحرت السفينة أرطغرل، حاملة على متنها حوالي 607 ركاب، باتجاه اليابان. وفي طريقها، كان من المقرر أن تمر السفينة العثمانية بكل من بور سعيد وقناة السويس وجدّة وعدن قبل أن تتوقف فيما بعد بكل الهند وسنغافورة وسايغون وعدد من مواني الصين. مع بلوغها قناة السويس، تعطلت السفينة أرطغرل يوم 26 تموز/يوليو 1889. وبسبب ذلك، تعطلت الرحلة لأسابيع. وعقب جملة من الإصلاحات الخفيفة، غادرت السفينة مصر منتصف شهر أيلول/سبتمبر من العام نفسه. وعند بلوغها المحيط الهندي، تعطلت السفينة أرطغرل مجددا وعانت من تسرب للمياه. وبسبب ذلك، توقف طاقم السفينة عند سنغافورة لإجراء مزيد من الإصلاحات عليها. ويوم 22 آذار/مارس 1890، غادرت أرطغرل سنغافورة لتبلغ يوكوهاما (Yokohama) اليابانية يوم 7 حزيران/يونيو 1890.
وعقب لقائهم بإمبراطور اليابان ومساعديه وتبادلهم للهدايا مع الجانب الياباني، غادر الوفد العثماني، على متن السفينة أرطغرل، يوكوهاما مساء يوم 15 أيلول/سبتمبر 1890. وبحلول الليل، شهدت المنطقة هبوب عاصفة قوية أسفرت عن كسر صاري السفينة أرطغرل. وبسبب قلة خبرة العثمانيين في التعامل مع مثل هذه العواصف بالمحيطات والمياه المفتوحة، وجد طاقم أرطغرل صعوبة في السيطرة على السفينة التي تقاذفتها الأمواج. لاحقا، حاول طاقم أرطغرل توجيه السفينة نحو منطقة كوبي (Kobe) القريبة. وفي الطريق، تسربت المياه بشكل كبير لإحدى غرف المحركات متسببة في تعطل السفينة التي أصبحت غير قادرة على الإبحار. وعلى الرغم من محاولة طاقم السفينة تثبيتها عن طريق إلقاء المراسي، قذفت الأمواج بأرطغرل نحو شرق سواحل كي أوشيما (Kii Ōshima) حيث تحطمت عقب ارتطامها بالصخور.
انتهت أول زيارة قام بها العثمانيون لليابان بكارثة بحرية حيث أسفر تحطم السفينة أرطغرل عن مقتل ما يزيد عن 500 بحار عثماني كان من ضمنهم الكابتن علي عثمان باشا. من جهة ثانية، تمكن نحو 70 بحارا من النجاة بفضل التدخل السريع الذي قامت به السفن الحربية الألمانية، التي تواجدت على مقربة من مكان الحادث، والزوارق اليابانية.