يصنف الجدول الدوري كأحد أهم ركائز علم الكيمياء، فبهذا الجدول نجد ترتيبا دقيقا للعناصر الكيميائية الموجودة بالطبيعة حسب عددها الذري وتوزيع الإلكترونات والخواص الكيميائية المتكررة، ويعود الفضل في اكتشاف هذا الجدول وترتيب العناصر به لعالم الكيمياء الروسي، والملقب أحيانا بأب الكيمياء الحديثة، ديمتري مندلييف (Dmitri Mendeleev) حيث نشر الأخير عام 1869 النسخة الأولى من الجدول حسب العناصر الكيميائية المكتشفة حينها.
مندلييف داخل أحد المختبرات
أول جداول التصنيف
وقبل مندلييف، حاول عدد من العلماء الكيميائيين ابتكار جدول لتصنيف العناصر الكيميائية بالطبيعية. فسنة 1817، باشر العالم الألماني يوهان فولفغانغ دوبرينر (Johann Wolfgang Döbereiner) بصياغة واحدة من أولى محاولات تصنيف العناصر. وسنة 1829، تحدث الأخير عن إمكانية تشكيل العناصر الكيميائية بمجموعات تتكون من ثلاثة عناصر. وبناء على ذلك، تشترك عناصر كل مجموعة بعدد من الخاصيات. لاحقا، أطلق على هذا التصنيف اسم ثلاثيات دوبرينر.
جدول مندلييف للعام 1871
وسنة 1864، نشر الكيميائي البريطاني جون نيولاندز (John Newlands) مقالا تحدث من خلاله عن إمكانية ترتيب العناصر الكيمائية حسب أوزانها الذرية. وبناء على تصنيف نيولاندز، تنتمي، غالبا، العناصر التي تمتلك أرقاما متقاربة إما لنفس المجموعة أو تحتل مواقع مماثلة بمجموعات مختلفة. إلى ذلك، لم يلق تصنيف العناصر الكيميائية لنيولاندز نجاحا كبيرا حيث أثبت هذا التصنيف عدم تطابقه مع خاصيات عدد من العناصر الكيميائية.
مندلييف عام 1890
من جهته، عمل الكيميائي الألماني لوثار ماير (Lothar Meyer) على الأوزان والأحجام الذرية للعناصر الكيميائية. وسنة 1864، صدر للأخير كتاب احتوى على تصنيف مبكر للعناصر الكيميائية. وقد ضم هذا التصنيف حينها 28 عنصرا فقط صنفت ضمن 6 عائلات.
لوحة لإليا ربين تجسد مندلييف
اكتشاف مندلييف وتنبؤاته
يوم 1 آذار/مارس 1869، باشر العالم الروسي مندلييف بمهمة ترتيب العناصر الكيميائية ومقارنتها بأوزانها الذرية. وفي البداية، اعتمد مندلييف على بعض العناصر فقط. وأواخر ذلك اليوم، شمل ترتيبه معظم العناصر الكيميائية المعروفة. ويوم 6 آذار/مارس 1869، قدم الأخير أول جدول دوري للعناصر الكيميائية. وبعد أن وجد ترتيبا متناسقا، ظهر جدول مندلييف المطبوع لأول مرة خلال شهر آذار/مارس 1869 بمجلة الجمعية الكيميائية الروسية.
صورة للارس فريدريك نيلسون
ومع ظهور انتقادات حول عدم تناسق عدد العناصر، دافع مندلييف عن جدوله مؤكدا على وجود فرضتين كانت أولاهما قياس الأوزان الذرية بشكل غير صحيح أو وجود عناصر كيميائية إضافية لم يتم اكتشافها بعد.
صورة لكليمنس ألكسندر فنكلر
خلال السنوات التالية، صدقت تنبؤات مندلييف. فعام 1871، اكتشف الفرنسي بول-إيميل ليكوك دو بوابدرون (Paul-Émile Lecoq de Boisbaudran) عنصر الغاليوم (Gallium). وبعدها ببضع سنوات، اكتشف السويدي لارس فريدريك نيلسون (Lars Fredrik Nilson) عنصر السكانديوم (Scandium). وسنة 1886، اكتشف العالم الألماني كليمنس ألكسندر فنكلر (Clemens Alexander Winkler) عنصر الجرمانيوم (Germanium). وتماما كما تنبأ مندلييف، وجدت هذه العناصر مكانها بدقة بالجدول الدوري الذي وضعه عام 1869.
صورة لديميتري مندلييف مكتشف الجدول الدوري
وعقب فحص البنية الداخلية للذرة، اقترح الفيزيائي الهولندي أنطونيوس فان دن بروك (Antonius van den Broek) عام 1913 اعتماد الشحنة النووية لتحديد مواقع العناصر بالجدول الدوري. وفي الأثناء، صاغ العالم النيوزيلندي إرنست رذرفورد (Ernest Rutherford) تسمية العدد الذري للحديث عن هذه الشحنة النووية. لاحقا، صاغ أنطونيوس فان دن بروك أول جدول دوري، حسب الإلكترونات، يوضح العناصر مرتبة حسب عدد إلكتروناتها.