ما بين شهري أبريل 1846 وفبراير 1848، خاضت الولايات المتحدة الأميركية حرباً ضد جارتها الجنوبية المكسيك. وبهذه الحرب التي تسببت في سقوط عشرات آلاف القتلى من كلا الطرفين، حقق الأميركيون انتصارات عسكرية عديدة وبلغوا العاصمة المكسيكية. وعلى إثر ذلك، أجبِر المكسيكيون على قبول معاهدة غوادالوبي هيدالغو (Guadalupe Hidalgo) التي جردتهم من ثلث مساحة بلادهم ومنحت الأميركيين الأراضي التي توجد بها اليوم ولايات نيفادا وكاليفورنيا ويوتا وأريزونا ونيومكسيكو.

أزمات سياسية واقتصادية وغذائية
وحسب العديد من المؤرخين، كانت هزيمة المكسيك بهذه الحرب شبه حتمية. فعلى الرغم من امتلاكها بالسنوات التي سبقت الحرب لقوة عسكرية جيدة، واجهت المكسيك قبل خوض غمار الحرب الأميركية المكسيكية أزمات مالية واقتصادية عديدة. ومع اندلاع الحرب عام 1846، لم تتردد الولايات المتحدة الأميركية في فرض حصار بحري على الموانئ المكسيكية مانعة بذلك عمليات التصدير والتوريد. وبسبب هذا الإجراء، عمقت واشنطن الأزمة الاقتصادية بالمكسيك.

من جهة ثانية، عانت المكسيك أثناء فترة الحرب من تخبط سياسي حيث تغير رئيس البلاد بأكثر من مناسبة. فضلاً عن ذلك، واجهت المكسيك العديد من حركات التمرد واضطرت بسبب ذلك لقمع هذه التمردات التي شكلت جبهة قتال داخلية. وإضافة للأزمتين السياسية والاقتصادية، عانت المكسيك مع اندلاع الحرب من نقص فادح بالغذاء. وبسبب ذلك، عجز الجيش المكسيكي عن توفير الغذاء الكافي لجنوده الذين عانوا من سوء التغذية. وأمام هذا الوضع، فضّل عدد كبير من الجنود المكسيكيين خلع بدلاتهم العسكرية والهروب من الجيش قبل بداية المعارك.

من ناحية أخرى، عانى الجيش المكسيكي من تأخر تكنولوجي كبير مقارنة بنظيره الأميركي. فبسبب الأزمة الاقتصادية، أقدمت المكسيك على إبرام صفقة مع فرنسا اشترت من خلالها بنادق قديمة، بلغ عمرها 30 سنة، يعود تاريخ استخدامها لفترة الحروب النابليونية. ومع وقوع هذه البنادق العتيقة بين أيديهم عقب المعارك، ذهل قادة الجيش الأميركي من درجة التسليح الرديء للجنود المكسيكيين. ومقارنة بالمكسيك التي عجزت عن توفير عدد كاف من الأحصنة لفرق الخيالة، جهّز الجيش الأميركي بأحدث التكنولوجيا. فإضافة للبنادق الحديثة، أعدت الولايات المتحدة الأميركية فرق مدفعية متنقلة وسريعة حيث اعتمد الأميركيون على أعداد هامة من الأحصنة لجر المدافع لمسافات بعيدة، وبمدة وجيزة، لتنفيذ عمليات قصف ضد المواقع المكسيكية.

وخلافاً للجنرالات المكسيكيين الذين افتقدوا للخبرة وعجزوا عن التنسيق فيما بينهم لإدارة مجريات الحرب، امتلكت الولايات المتحدة الأميركية بتلك الفترة عددا من العسكريين الجيدين، وذوي الخبرة، كالجنرال وينفيلد سكوت (Winfield Scott) والجنرال، والرئيس المستقبلي، زاكاري تايلور (Zachary Taylor). من ناحية أخرى، مثلت الحرب الأميركية المكسيكية بداية المغامرة العسكرية لعدد من كبار العسكريين الأميركيين بالحرب الأهلية من أمثال روبرت لي (Robert E. Lee) ويوليسيس غرانت (Ulysses S. Grant).