منذ مطلع القرن العشرين، شهدت الإمبراطورية الروسية العديد من الأزمات الاجتماعية، فبتلك الفترة، عبر الفلاحون عن سخطهم من ارتفاع نسبة الفقر بينهم وسياسة الحكومة التي منعتهم من التصرف في أراضيهم. وبالتزامن مع ذلك، شهد القطاع العمالي حالة من الغضب بسبب القرارات التي منعت وقمعت التحركات الإحتجاجية والإضرابات، فضلا عن ذلك، عبرت العديد من القوميات صلب الإمبراطورية عن رفضها لسياسة التمييز التي مورست ضدها حيث منع أفراد هذه القوميات من الحصول على مراكز ووظائف سامية.
وما بين عامي 1904 و1905، عرفت الإمبراطورية الروسية حالة من التخبط عقب الهزيمة التي تلقتها على يد اليابانيين بأقصى شرق آسيا. وبسبب هذه الظروف المتراكمة، شهدت الإمبراطورية الروسية بداية من العام 1905 ثورة تميزت بكثرة الاحتجاجات والإضرابات وحركات العصيان العسكري. وبالتزامن مع ذلك، شهدت منطقة سمارا (Samara) الروسية تمردا فريدا أدى لظهور دولة عرفت باسم جمهورية ستاري بويان (Stary Buyan).
ميليشيات مسلحة بقرية ستاري بويان
منذ أواخر القرن التاسع عشر، تحولت منطقة سمارا الروسية لأحد أبرز جيوب التمرد على النظام القيصري الروسي. فعلى مدار سنين، تهافت عدد كبير من الناشطين النارودنيكيين (Narodniks)، المصنفين ضمن قائمة الثوار الاشتراكيين، نحو سمارا التي عاشت على وقع تزايد لحالة الغضب الشعبي ضد النظام على إثر تحرير الأقنان عام 1861 عقب قرار صادر عن القيصر ألكسندر الثاني.
ومنذ مطلع العام 1905، أقبل العديد من أفراد الحزب الاشتراكي الثوري الروسي نحو سمارا. وهنالك، حث هؤلاء الناشطون السياسيون الفلاحين على التمرد والتحرك ضد الحكومة الروسية بسبب تدهور المعيشة واعتماد سياسات اجتماعية قاسية تجاه الفلاحين والعمال. وأمام هذا الوضع، شهدت سمارا بالأشهر التالية ظهور ميليشيات تكونت أساسا من الفلاحين. فضلا عن ذلك، امتدت هذه الحركات الاحتجاجية نحو قرية ستاري بويان التي شهدت تحركات مسلحة عديدة. وفي الأثناء، رفض أفراد الشرطة المحلية التحرك ضد هؤلاء المحتجين والميليشيات.
جمهورية استمرت 13 يوماً
وبحلول شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1905، تحول عدد من مسؤولي منطقة سمارا لقرية ستاري بويان لاختيار أعضاء مجلس المدينة. وفي الأثناء، لقي هؤلاء المبعوثون استقبالا سيئا وغير عادي حيث تواجد باستقبالهم المئات من الفلاحين المسلحين. وبنفس الفترة، صوت أهالي القرية لصالح طرد جميع ممثلي النظام القيصري. وبدلا من ذلك، تم تشكيل ميليشيات محلية تكفلت بمهمة تأمين الأراضي. لاحقا، أعلن أهالي القرية استقلالهم عن الإمبراطورية الروسية مؤكدين إنشاء ما عرف حينها بجمهورية ستاري بويان، وبالتزامن مع ذلك، صادرت الميليشيات المحلية الأراضي التي كانت مملوكة للأثرياء واتجهت لتوزيعها على الفلاحين المحليين.
إلى ذلك، اتجهت سلطات سمارا للتحرك ضد أهالي ستاري بويان، ومع فشل الشرطة ورجال الحرس في قمع هذه الحركة التمردية، اتجهت السلطات الروسية بسانت بطرسبرغ لإرسال حملة عسكرية ضد هذه القرية. وفي غضون أيام، استعادت القوات الروسية السيطرة على القرية عقب سحق التمرد لتعرف بذلك جمهورية ستاري بويان، التي استمرت لمدة 13 يوما فقط، نهايتها يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1905. لاحقا، اعتقلت السلطات الروسية قادة التمرد الذين مثلوا أمام المحكمة لينالوا فيما ما بعد أحكاما بالإعدام.