منذ الحرب العالمية الأولى، سجلت الطائرات الحربية ظهورها بكثافة على ساحات المعارك حيث اتجهت مختلف الأطراف المتحاربة للاعتماد على هذا الابتكار الجديد بمهام عديدة تراوحت بين المراقبة والاستطلاع والقصف والمعارك الجوية. وبالحرب العالمية الثانية، كسب سلاح الجو مكانة أكبر حيث آمن الجميع بتلك الفترة بأهمية الهيمنة على الأجواء لحسم المعارك وتكبيد العدو خسائر أكبر. تماما كالحرب العالمية الأولى، سجلت الحرب العالمية الثانية ظهور طيارين بارعين تميزوا بنجاحاتهم في حسم المعارك الجوية. وبهذا السياق، برز اسم الطيار الألماني إريش هارتمان (Erich Hartmann) الذي تمكن بمفرده من إسقاط المئات من طائرات الحلفاء.
أسقط 352 طائرة
خلال العام 1940، التحق إريش هارتمان، المولود يوم 19 نيسان/أبريل 1922، بسلاح الجو الألماني. ومع نجاحه في إنهاء فترته التكوينية عام 1942، انضم هارتمان لسرب جي جي 52 (JG 52) الألماني الذي تواجد على الجبهة الشرقية عقب بداية عملية بربروسا (Barbarossa) ضد الاتحاد السوفيتي.
أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر 1943، حصل هارتمان على وسام الفارس الصليبي الحديدي بعد أن أكدت القيادة العسكرية الألمانية نجاحه في إسقاط 148 طائرة سوفيتية بمختلف مهامه. إلى ذلك، تواصلت النجاحات الجوية لهارتمان طيلة ما تبقى من الحرب. ومع نهاية النزاع على الساحة الأوروبية يوم 8 أيار/مايو 1945، حصد إريش هارتمان لقب أفضل طيار مقاتل بتاريخ ألمانيا والعالم حيث تمكن الأخير طيلة مسيرته بسلاح الجو الألماني من إسقاط 352 طائرة تابعة للحلفاء كان من ضمنها 345 طائرة سوفيتية و7 طائرات أميركية.
10 سنوات بالمعسكرات السوفيتية
أثناء فترة الحرب، كاد إريش هارتمان أن يقع بقبضة السوفييت عقب سقوط طائرته بمنطقة قرب دونيتسك (Donetsk) يوم 19 آب/أغسطس 1943. وللنجاة، تمكن هذا الطيار الألماني من المرور عبر أحد الحقول ليجد نفسه قرب فرقة عسكرية ألمانية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، استسلم إريش هارتمان للأميركيين، رفقة بقية أفراد السرب جي جي 52، الذين سلموه بدورهم للجيش الأحمر السوفيتي. وبالسنوات التالية، تعرض هارتمان، المعتقل لدى السوفييت، لضغوطات بهدف إجباره على الالتحاق بجيش ألمانيا الشرقية. ومع رفضه لذلك، اتهم هارتمان من قبل السوفييت بارتكاب جرائم حرب ونال حكما مبدئيا بالسجن 20 سنة. لاحقا، شدد القضاء السوفيتي الحكم على هارتمان الذي نال في نهاية المطاف حكما بـ25 سنة سجن.
إلى ذلك، قضى إريش هارتمان 10 سنوات بمعسكرات العمل القسري السوفيتية، المعروفة بالغولاغ، قبل أن يطلق سراحه عام 1955. لاحقا، التحق هذا الطيار الألماني سنة 1956 بجيش ألمانيا الغربية قبل أن يحال على التقاعد بشكل تعسفي بسبب معارضته لاستخدام طائرات إف-104 ستارفايتر (F-104 Starfighter) لأسباب تقنية. عام 1993، توفي إريش هارتمان عن عمر ناهز 71 سنة. وبحلول العام 1997، ألغت روسيا، بشكل رمزي، جميع التهم التي وجهت له خلال الحقبة السوفيتية.