خلال فترة العصور الوسطى وعصر التنوير، شهدت القارة الأوروبية ظهور العديد من فرق المرتزقة التي قاتلت لصالح الجيوش الأجنبية. وعلى مدار قرون، لم تتردد فرنسا في الاعتماد على هؤلاء المرتزقة بمهام عديدة. فمع بداية أحداث الثورة الفرنسية، لجأ الملك الفرنسي لويس السادس عشر للاعتماد على المرتزقة الأجانب أملاً في ضبط الأمن في باريس التي عاشت على وقع حالة تخبط عقب إعلان ممثلي الطبقة الثالثة، والمتحالفين معهم، عن إنشاء مجلس تأسيسي. إلى ذلك، يصنف المرتزقة السويسريون كأبرز الفرق التي أثارت الرعب في أوروبا. فعلى مدار سنين، عرضت هذه الفرق خدماتها على ملوك أوروبا وقدمت أداء جيداً بالعديد من المعارك الحاسمة.
ظهور المرتزقة السويسريين
ويعود ظهور المرتزقة السويسريين (Swiss pikemen) للقرن الرابع عشر تزامناً مع انفصال الكانتونات السويسرية عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وفي الأثناء، أثار هذا الانقسام غضب دوق النمسا ليوبولد الأول (Leopold I) الذي اتجه لتنظيم حملة عسكرية ضد الكانتونات النمساوية متجاهلاً امتلاك الفلاحين السويسريين لكميات كبيرة من الدروع والأسلحة والتكتيكات الحربية.
ويوم 15 نوفمبر 1315، هاجم فلاحو شفيتس (Schwyz) وأوري (Uri) وأنترفالدن (Unterwalden) جيش ليوبولد الأول وتمكنوا من تحقيق نصر ساحق بفضل اعتمادهم على الرماح الطويلة التي منحتهم خطاً دفاعياً حصيناً. وعقب هذا النصر، حافظت الكانتونات الثلاثة على استقلالها واتجهت فيما بعد لتشكيل نواة الكونفدرالية السويسرية. وبالفترة التالية، اتجه السويسريون للاحتفاظ بهذه التكتيكات العسكرية طيلة القرن الرابع عشر واعتمدوها بمعركة سيمباخ (Sempach) عام 1386 ضد قوات دوق النمسا ليوبولد الثالث (Leopold III) وضد أهالي ميلانو خلال معركة أربيدو (Arbedo) عام 1422. وعلى الرغم من تخلفهم العددي بمعركة أربيدو، تمكن المرتزقة السويسريون من تحقيق النصر مثيرين بذلك ذهول العديد من القوى الأوروبية التي آمنت بفوز ميلانو بالمعركة.
تألفت قوة المرتزقة السويسريين من نحو 8 آلاف مقاتل تكونت من حاملي الرماح الطويلة والمبارزين والرماة وحاملي المدافع اليدوية. وبمعاركهم، اعتمد المرتزقة السويسريون على تكتيكات شبيهة بتلك التي استخدمها الإسكندر المقدوني بحملاته العسكرية التي قادته نحو حدود الهند. ومع تعاظم قوة المرتزقة السويسريين وانتشار الأخبار حول انتصاراتهم بأوروبا، اتجه العديد من ملوك أوروبا للتحالف معهم ما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر. وخلال العام 1494، ساعد المرتزقة السويسريون الفرنسيين في غزو نابولي بإيطاليا. وبعد سنوات، لعب هؤلاء المرتزقة السويسريون الدور الأبرز في تسهيل غزو الفرنسيين لميلانو.
مع بداية القرن السادس عشر، اتجهت العديد من القوى الأوروبية لاعتماد نظام الرماح الطويلة الذي استخدمه المرتزقة السويسريون على مدار عقود. وبفضل ذلك، ظهرت فرق الترسيوس (Tercios) الإسبانية واللاندسكنيشت (Landsknechts) الألمانية. وبمرور السنوات، تحول جنود لاندسكنيشت لأبرز أعداء المرتزقة السويسريين حيث درس هؤلاء الألمان بدقة تكتيكات أعدائهم السويسريين وطوروا طرقاً لمقارعتها. تدريجياً، عرفت فرق المرتزقة السويسرية انهياراً خلال الحروب الإيطالية أثناء مواجهتها لقوات الترسيوس واللاندسكنيشت. وفي الأثناء، فقدت هذه القوات دورها تزامناً مع انتشار استخدام البارود والبنادق بالحروب بأوروبا. وما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، واجه ما تبقى من تشكيلات المرتزقة السويسريين مصاعب مادية لتمويل حاجياتهم من الأسلحة والمؤونة. ومنذ العام 1859، سمح لفريق واحد من المرتزقة السويسريين بمواصلة عمله. وقد تمثل هذا الفريق في قوات الحرس السويسري للفاتيكان والذي كلف أساساً بمهمة حماية البابا.