قبل نحو 3 قرون، عاشت أوروبا على وقع حرب الشمال العظمى التي اندلعت عام 1700 بين كل من روسيا القيصرية وإمبراطورية السويد. ففي أواخر القرن السابع عشر، بلغت السويد أوج قوتها وهيمنت على مناطق واسعة بشمال أوروبا. وخلال العام 1697، اعتلى الملك السويدي، البالغ من العمر 15 سنة، تشارلز الثاني عشر (Charles XII) عرش البلاد. وبسبب صغر سن الملك وافتقاره للخبرة، اتجهت كل من روسيا والدنمارك والكومنولث البولندي الليتواني سنة 1699 لتشكيل تحالف موجه ضد السويد أملا في الحد من نفوذها. وبتلك الفترة، عرف هذا التحالف العسكري بالتحالف الشمالي.
لوحة تجسد معركة ريغا عام 1701
التراجع العسكري للسويد أمام روسيا
ووسط ذهول قادة دول التحالف الشمالي، حقق الملك السويدي الشاب تشارلز الثاني عشر انتصارات هامة ضد أعدائه. فخلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1700، تلقى القيصر الروسي بطرس الأكبر هزيمة قاسية بمعركة نارفا (Narva) أجبرته على التراجع. وإيمانا منه بنهاية الجيش الروسي، واصل تشارلز الثاني عشر تقدمه نحو الأراضي البولندية. وفي الأثناء، شن الروس هجمات أخرى واستولوا على مناطق إنغيريا التي أسسوا على أراضيها عاصمتهم الجديدة سانت بطرسبرغ عام 1703.
بتلك الفترة، عرض بطرس الأكبر على تشارلز الثاني عشر إنهاء الحرب مقابل احتفاظ روسيا بالمناطق التي استولت عليها. إلا أن الملك السويدي رفض الأمر مؤكدا أن قواته ستبلغ موسكو قريبا.
لوحة تجسد تشارلز الثاني عشر
عقب نجاحه في الاستيلاء على قسم هام من الأراضي البولندية، باشر تشارلز الثاني عشر تدخله بالأراضي الروسية عام 1708. وعلى الرغم من تواجد قادة عسكريين بارزين بصفوفه مثل إيفان مازيبا (Ivan Mazepa)، تلقى تشارلز الثاني عشر هزائم عديدة جاءت أبرزها بمعركة بولتافا (Poltava) خلال شهر تموز/يوليو 1709.
بالسنوات التالية، سيطرت روسيا القيصرية على مناطق البلطيق وتدخلت بفنلندا. وعام 1719، قادت القوات الروسية عددا من الهجمات على المناطق السويدية المطلة على البلطيق.
بطرس الأكبر أثناء قيادته للمعركة التي أدت للحصول على إنغيريا
اتفاقية نيستاد
عقب وفاة الملك تشارلز الثاني عشر وحصول فريدريك الأول (Frederick I) على مقاليد الحكم بالسويد، اتجه الملك السويدي الجديد عام 1720 للبحث عن مخرج لإنهاء حرب الشمال العظمى.
تشارلز الثاني عشر عقب هزيمته بمعركة بولتافا
ويوم 10 أيلول/سبتمبر 1721، وقعت كل من روسيا القيصرية وإمبراطورية السويد اتفاقية نيستاد (Nystad) التي أنهت بشكل رسمي حرب الشمال العظمى. وبموجب هذه الاتفاقية، قبلت السويد بحصول روسيا على مناطق إستونيا وليفونيا (Livonia) وإنغيريا وأراض أخرى بالجنوب الشرقي لفنلندا مقابل حصولها على تعويض مادي بلغت قيمته مليوني تالر (Thaler)، عملة قديمة فضية.
لوحة تجسد بطرس الأكبر
من جهة ثانية، سمحت الاتفاقية للنبلاء الألمان بكل من إستونيا وليفونيا بالحفاظ على حقوقهم ونظامهم المالي والمصرفي. فيما مثلت اتفاقية نيستاد تغييرا جذريا بموازين القوى بأوروبا حيث أنهت عصر قوة السويد التي انتقلت لعصر الحرية وجسّدت تحول روسيا لإمبراطورية وقوة عسكرية عامة على الساحة الأوروبية.