مثّل ليو تولستوي أحد أهم الأدباء الروس على مر التاريخ، وساهم في تأليف العديد من الروايات حول حياة الشعب الروسي أثناء فترة القياصرة. ويصنف تولستوي ضمن قائمة أهم الأدباء والمؤلفين بتاريخ روسيا. فعقب مشاركته بحرب القرم التي عاصر خلالها ما بين عامي 1854 و1855 حصار سيفاستوبول (Sevastopol) الذي استمر 11 شهرا، ألف ليو تولستوي العديد من الروايات. في الأثناء مثلت روايتا الحرب والسلم، التي تحدثت عن المجتمع الروسي خلال حملات نابليون بونابرت، وآنا كارينينا (Anna Karenina) أبرز مؤلفات تولستوي. وقد ترجمت هاتان الروايتان لمعظم لغات العالم. ومع رحيل هذا الأديب عن العالم سنة 1910، عرفت ابنته الصغرى، والمقربة منه، ألكسندرا تولستوي (Alexandra Tolstoy) مصيرا قاتما حيث عوقبت بقسوة من قبل البلشفيين واضطرت للهرب من البلاد.
الابنة المفضلة لتولستوي
فقد مثلت ألكسندرا، المولودة عام 1884 بقرية ياسنايا بوليانا (Yasnaya Polyana)، الطفلة المفضلة والمقربة من ليون تولستوي. وفي السادسة عشرة من عمرها، رافقت هذه الفتاة والدها أثناء تنقلاته ودوّنت العديد حول مذكراته وتحاليله السياسية والاجتماعية. من جهة أخرى، كانت ألكسندرا بعلم مسبق برغبة والدها في الرحيل عن زوجته صوفيا ومغادرة المنزل. إلى ذلك، رافقت ألكسندرا والدها بآخر لحظات حياته. وحسب ما تركه تولستوي بوصيته، حصلت ابنته ألكسندرا على حقوق نشر كتبه ومؤلفاته.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تطوعت ألكسندرا للعمل كممرضة لصالح الجيش الإمبراطوري الروسي. وبتلك الفترة، انتشرت في صفوف الجيش الروسي عداوة سببتها الطبقية التي كانت منتشرة بالمجتمع الروسي وأججتها الأفكار الماركسية والدعاية البلشفية. وعلى الرغم من تصنيفها ضمن طبقة النبلاء، قضت ألكسندرا فترة كممرضة بالجيش الروسي ونالت وسامين كتكريم لها على شجاعتها قبل أن تتجه لمغادرة الخدمة.
الهجرة لأميركا
عقب نجاح الثورة البلشفية، كسبت ألكسندرا تولستوي مكانة سيئة لدى لينين ورفاقه كونها ابنة أحد الجنود السابقين بجيش القيصر. وبفضل مفوض الشعب لشؤون التعليم أناتولي لوناشرسكي (Anatoly Lunacharsky)، نجت ابنة ليو تولستوي من الملاحقات الأمنية حيث منحها الأخير منصبا مرموقا بقرية ياسنايا بوليانا. وعقب لقائها شخصيا بجوزيف ستالين، حصلت ألكسندرا على منحة مالية لإنشاء مدرسة ومتحف صغير بمسقط رأسها ياسنايا بوليانا.
إلى ذلك، لم تدم فترة الحرية لألكسندرا تولستوي كثيرا. فعام 1920، اعتقلت الأخيرة بتهمة إيواء عناصر معارضة للبلشفية بمنزلها. ولهذا السبب، أرسلت ألكسندرا لمدة ثلاث سنوات نحو أحد مراكز العمل القسري. وأثناء فترة اعتقالها، راسلت ابنة ليو تولستوي القائد السوفيتي فلاديمير لينين طالبة منه إعدامها بدل الزج بها بمعسكرات العمل القسري. سنة 1929، حصلت ألكسندرا على إذن بمغادرة الأراضي السوفيتية بمهمة تعليمية نحو اليابان لمدة 6 أشهر. وبفضل ذلك، رحلت الأخيرة عن البلاد واستقرت لوهلة باليابان قبل أن تهاجر نحو الولايات المتحدة الأميركية.
وعقب مرورها بأزمات مالية عديدة خلال الثلاثينيات، أسست ألكسندرا عام 1939 مؤسسة تولستوي (Tolstoy Foundation) بالولايات المتحدة الأميركية التي أوكلت لها مهمة مساعدة المهاجرين الروس الفارين من النظام السوفيتي. وخلال العام 1941، حصلت ألكسندرا على النوعية الأميركية. سنة 1978، حصلت ألكسندرا على دعوة للعودة نحو الاتحاد السوفيتي للاحتفال بالذكرى الـ150 لميلاد أبيها ليو تولستوي. وفي الأثناء، اعتذرت الأخيرة عن ذلك وعللت غيابها بظروفها الصحية الصعبة. وبنيويورك يوم 26 أيلول/سبتمبر 1979، فارقت ألكسندرا الحياة بعيدة عن وطنها عن عمر ناهز 95 سنة.