إن كنت من محبي السفر والمغامرة وسبر أغوار الغموض، فلا ريب أن قرية كولدارا في الهند هي الوجهة الأنسب لك، إذ تعد من أكثر الأماكن السياحية غموضًا ورعبًا، نظرًا لما يشاع حولها من أساطير، وما يحدث داخلها من أشياء خارقة وغير طبيعية، والتي لم يتم التوصل إلى سبب واضح لحدوثها حتى الآن، حتى بعد زيارة عدد كبير من الباحثين والمحققين في الخوارق الطبيعية لها.
تقع قرية كولدارا على بعد حوالي 30 كيلومترا، من مدينة جايسالمر، وهي تقسيم إداري في دولة الهند تتبع ولاية راجاستان، إذ يتعرج منها مسار رملي يؤدي إلى كولدارا المهجورة، والتي يتخللها غطاء نباتي ضئيل جدًا، نسبة إلى الرمال والأتربة التي غطت المنطقة بالكامل، لتصبح أرضًا قاحلة خاوية، لا يسكنها إنسان ولا حتى حيوان، فما سر الغموض المحيط بها؟ وما الذي جعل من القرية منطقة جاذبة جدًا للزوار والسياح على مدار العام.
زواج بالإكراه
تداول السكان الكثير من الأساطير والشائعات حول القرية، والتي لم يثبت مدى صحتها حتى وقتنا هذا، ولكن الأسطورة الشائعة التي توصل إليها المحققون من خلال حديثهم مع السكان المحليين للمناطق المجاورة، تحكي أن ما يحيط بالقرية المهجورة يعود إلى مأساة دموية، حدثت تحديدًا في القرن الـ19، حيث كانت القرية مأهولة بالفعل من قبل قبيلة Paliwal Brahmins في راجاستان. كانت الحياة تسير بطريقة طبيعية جدًا، حتى قرر رئيس وزراء المنطقة (سليم سينغ) أن يتزوج من ابنة رجل فقير بالقرية، إذ اعتاد الوزير الحصول على ما يريده فور طلبه، ولكن المفاجأة أن الفتاة رفضت الزواج به، ما أثار غضبه وحنقه وجعله يهدد الشعب برفع الضرائب، بل القضاء على القرية بأكملها، إن لم يتم تنفيذ مطلبه، إلا أن سكان كولدارا كانوا متحدين جدًا ولم يرتضوا الذل والمهانة.
أشباح كولدارا
وفقْا للأسطورة المحلية، فإن سكان القرية تضامنوا مع عائلة الفتاة، ما دفع رئيس الوزراء لقتلهم وإبادتهم تمامًا، فلم يتبقَ منهم أي شخص، هكذا اختفى السكان بين ليلة وضحاها، حتى إنه لم يعد لجثثهم أي أثر، بيد أن أشباحهم ولعنتهم لم تنفك عن مطاردة كل من يحاول المكوث في قريتهم. كما تداول بعض سكان المناطق المجاورة نهاية أخرى للقصة، وهي أن سكان القرية اتفقوا خلسة على التسلل في جوف الليل والفرار من المنطقة بأكملها، ومن الظلم الواقع عليهم، ولكنهم كذلك عزموا على الانتقام من الوزير، وأقسموا أن تحل لعنتهم على قرية كولدارا قبل أن تطأ أقدامهم أي أرض جديدة، وهكذا رحل السكان بالفعل، بل اختفوا إن صح القول، إذ لم يتم العثور على أي أثر لهم فيما بعد ولا حتى رئيس الوزراء، وهو الشيء الذي لم يُفسر حتى الآن.
غموض لا ينكشف
لا يزال الغموض يحيط بالقرية إذ لم يعرف القرويون ما الذي حل بقبيلة Paliwal Brahmins، ولكنهم كذلك لديهم يقين تام بأن القرية مسكونة بأرواح الشعب المندثر، وتحديدًا روح الفتاة التي يقال إنها أصبحت ضحية لجريمة شرف، إذ قام الكثير من سكان القرى المجاورة والسياح أيضًا بمحاولة المبيت، وقضاء عدة ليالٍ في منازل القرية الطينية، إلا أن أكثر الأشخاص شجاعة لم يستطع المكوث أكثر من ليلتين بحد أقصى، فالأحداث التي واجهوها كانت مروعة جدًا وخارقة للطبيعة، لا تصدر عن إنس.
حرائق وظلال وأشياء أخرى
يروي البعض أنهم شاهدوا حرائق تندلع بشكل مفاجئ، وتنطفئ أيضًا من تلقاء نفسها دون أي تدخل بشري، والبعض رأى ظلالا سوداء تنساب عبر الأبواب وتمر خلال النوافذ الموصدة، كذلك سمعوا صوت ضحكات وقهقهات عالية جدًا بعد منتصف الليل، ما جعلهم يرجحون وجود أشباح وقوى خارقة للطبيعة في تلك البقعة، ومنذ تلك اللحظة يتوافد السياح على القرية في محاولة لكشف اللغز، ولكن لم يقوَ أي شخص آخر على المبيت في منازلها المسكونة، عقب ما تم تداوله من قصص مخيفة.
معالم تتحدى الزمن
على الرغم من خواء القرية المهجورة، وتعاقب الفصول عليها لعدة قرون متتالية، إلا أن مبانيها تقف شامخة وثابتة، حتى تلك المبنية من الطوب اللبِن، إذ لا تزال جدران منازل كولدارا وأسطحها باقية، قوية وصلبة، لتتحدى ويلات الزمن والطقس، ما يوضح مدى براعة البنائين وتطور الهندسة المعمارية آنذاك. بالإضافة إلى المعبد القديم القابع في وسط القرية، والذي لم يخلف عليه الزمن آثاره أيضًا، لتبقى هذه المعالم بالشرفات الخاوية المطلة على الأرض الجدباء، محدقة في أعين السياح، تحمل سرها الذي لا يعلمه سوى شعبها المفقود. هكذا وبعد أن ذاع صيت المنطقة في الآونة الأخيرة، قررت هيئة الآثار الهندية إبقاء القرية تحت إشرافها، كما حددت مواقيت معينة لزيارتها والتنقل ببين منازلها المهجورة.
ن