مع نهاية الحرب العالية الثانية التي خلفت أكثر من 60 مليون قتيل، غاص العالم بأهوال نزاع جديد غير معلن بين المعسكرين الشرقي والغربي عرف بالحرب الباردة. إلى ذلك، استمرت الحرب الباردة لنحو 45 عاما قبل أن تعرف نهايتها تزامنا مع انهيار الإتحاد السوفيتي وتفككه. وفي خضم الحرب الباردة، استعانت كل من موسكو وواشنطن بشبكات التجسس للحصول على المعلومات وسرقة بيانات البرامج التكنولوجية. وحسب العديد من المؤرخين، لعب الجواسيس دورا هاما في تغيير مجرى الحرب الباردة. فبفضلهم، حصل السوفيت على التكنولوجيا النووية ونهبوا تصاميم القنبلتين الذرية والهيدروجينية. وخلال ثمانينيات القرن الماضي، اهتزت موسكو على وقع واحدة من أكبر الفضائح التجسسية بتاريخها. فعلى مدار سنوات، أقدم أحد جواسيسها على تسليم الغربيين كميات كبيرة من المخططات قبل أن يطاح به ويعدم.
جاسوس سوفيتي برتبة دبلوماسي
منتصف ستينيات القرن الماضي، أرسل الاتحاد السوفيتي الكولونيل بجهاز لجنة أمن الدولة فلاديمير فيتروف (Vladimir Vetrov) نحو العاصمة الفرنسية باريس بمهمة خاصة عقب منحه رتبة ملحق دبلوماسي بالسفارة السوفيتية بفرنسا. وظاهريا، كلّف فيتروف بمهمة العمل على تطوير العلاقات التجارية الثنائية بين السوفيت والفرنسيين. وباطنيا، حصل الأخير على مهمة خاصة بانتداب عدد من العملاء لجمع معلومات حول التقدم التكنولوجي الفرنسي. وحال وصوله، ربط فيتروف قنوات اتصال مع عدد من المهندسين الفرنسيين للحصول على معلومات مقابل منحهم مكافآت مالية هامة.
بشكل سريع، كشفت مديرية المراقبة الإقليمية الفرنسية أنشطة فلاديمير فيتروف. وخلال العام 1970، عاد فيتروف نحو الأراضي السوفيتية تزامنا مع توسع الأبحاث حول أنشطته بفرنسا. سنة 1972، حاول السوفيت إرسال عميلهم فيتروف للعمل بقنصلية الاتحاد السوفيتي بمرسيليا. وبسبب رفض وزارة الخارجية الفرنسية لهذا التعيين، منع فيتروف من دخول الأراضي الفرنسية. لاحقا، عمدت السلطات السوفيتية لإرسال عميلها فيتروف نحو الأراضي الكندية بعد منحه صفة ممثل تجاري سوفيتي بمونتريال. وهنالك، عاد الأخير لممارسة أنشطته التجسسية. أثناء تواجده بكندا، اختلف فيتروف مع مديريه حيث انتقد الأخير بشدة سياسة ليونيد بريجنيف التي تسببت في فجوة ثقافية وعلمية كبيرة بين المعسكرين الشرقي والغربي. ومستغلا هذا الخلاف، حاول جهاز المخابرات الكندية التقرب من فيتروف أملا في انتدابه لصالحهم.
حكم بالإعدام
بعد 9 أشهر فقط عن رحيله لكندا، عاد فيتروف أدراجه نحو موسكو عام 1981. واعتمادا على صديقه جاك بريفوست (Jacques Prévost)، المسؤول بمؤسسة تومسون (Thomson)، دخل هذا العميل السوفيتي في اتصال مع مديرية المراقبة الإقليمية بفرنسا. وعقب ذلك، باشر فيتروف بنقل معلومات حساسة عن الاتحاد السوفيتي للفرنسيين الذين لم يترددوا بدورهم في تمريرها للجانب الأميركي. خلال شهر فبراير 1982، تورط فيتروف في عملية قتل عشيقته ورجل سوفيتي آخر. وبسبب ذلك، نال الأخير حكما بالسجن لمدة 15 سنة. وبالسجن، اعترضت جهاز لجنة أمن الدولة عددا من رسائل فيتروف. وعقب التمعن فيها، تم الكشف عن الأنشطة السرية لفيتروف مع الجانب الفرنسي. وعلى إثر ذلك، نقل فيتروف على جناح السرعة نحو موسكو. وأثناء التحقيقات، أكد فيتروف نقله لآلاف الوثائق حول جهاز لجنة أمن الدولة السوفيتي وأنشطته ونظام عمله للجانب الفرنسي. لاحقا، مثل فيتروف أمام المحكمة بتهمة الخيانة العظمى ليصدر في حقه حكم بالإعدام تم تنفيذه يوم 23 يناير 1985.