خلال الأشهر الأولى من العام 1917، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع صدمة برقية زيمرمان (Zimmermann) التي اعترضتها المخابرات البريطانية قبل تسليمها للجانب الأميركي. وبهذه البرقية التي أرسلها وزير الخارجية الألماني آرثر زيمرمان (Arthur Zimmermann)، عرضت ألمانيا على المكسيك تحالفا عسكريا موجها ضد الولايات المتحدة الأميركية في حال دخول الأخيرة الحرب العالمية لصالح الفرنسيين والبريطانيين.
وفي مقابل ذلك، تعهدت ألمانيا بضمان استعادة المكسيك لأراضي ولايات تكساس ونيومكسيكو ونيفادا، التي خسرتها بالقرن التاسع عشر لصالح الأميركيين، في حال انتصار برلين بالحرب. ومع إعلان ألمانيا حرب الغواصات الشاملة ضد جميع السفن بالمحيط الأطلسي، لم تتردد الولايات المتحدة الأميركية خلال شهر نيسان/أبريل 1917 في دخول الحرب العالمية الأولى لجانب كل من فرنسا وبريطانيا.
رؤية وودرو ولسن
برسالته التي وجهها للكونغرس الأميركي حول الحرب، تجاوز الرئيس الأميركي وودرو ولسن مسألة المصالح الأميركية وتحدث في المقابل عن دفاعه عن قيم السلام والعدالة بالعالم. فضلا عن ذلك، أكد ولسن على خوض الولايات المتحدة الأميركية حربا قادرة على خلق سلام وعالم أكثر أمنا بدلا من اكتفائها بتعديل موازين القوى بالعالم. من جهته، حثّ البابا بندكت الخامس عشر (Benedict XV) عام 1917 على ضرورة إنهاء الحرب ووقف جميع العمليات القتالية ورجوع الجنود لديارهم وعائلاتهم تزامنا مع مطالبته لعودة الوضع لما كان عليه قبل 28 تموز/يوليو 1914 بأوروبا. وردا على البابا، تحدث ولسن برسالة أرسلها يوم 27 آب/أغسطس 1917 لبندكت الخامس عشر عن دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية للدفاع عن الشعوب الحرة ومواجهة الحكومات غير المسؤولة الساعية للهيمنة على العالم، مشيرا بذلك للإمبراطورية الألمانية والقيصر فيلهلم الثاني. وبدلا من الحديث عن هزيمة ألمانيا وإذلالها، تحدث الرئيس الأميركي عن سلام عالمي جديد وشامل قد يساهم في إنقاذ العالم من حروب مستقبلية مدمرة.
النقاط الـ14
وبخطاب ألقاه أمام الكونغرس الأميركي يوم 8 يناير 1918، تحدث وودرو ولسن عن خطته للسلام العالمي واضعا بذلك حزمة مبادئ دولية تضمنت 14 نقطة أساسية. وبنقاطه الأربع عشرة، طالب ولسن باعتماد ميثاق سلامة عامة بالعلاقات الدولية مؤكدا على ضرورة إلغاء سرية المعاهدات المبرمة بين الدول. أيضا أكد الرئيس الأميركي على أهمية تأمين الملاحة بالبحار، والمضائق، وخارج المياه الإقليمية للدول وإلغاء الحواجز الاقتصادية والوصول لمبدأ مساواة بين الدول للحفاظ على السلام. من جهة ثانية، تحدث ولسن على تخفيض تسلح جميع الدول بما يضمن أمنها الداخلي فقط لتجنب حروب كارثية على البشرية، ودعا في الآن ذاته لوضع إدارة عادلة للمستعمرات. وبالنسبة للقضية الروسية، دعا ولسن لجلاء جميع القوات الأجنبية عن الأراضي الروسية واحترام سيادة شعبها والتعاون مع أي حكومة روسية تحظى بدعم الشعب. أيضا، أكد الرئيس الأميركي على ضرورة خروج القوات الألمانية من بلجيكا وإعادة إعمارها والجلاء عن فرنسا وإعادة الألزاس واللورين وإعادة إعمار ما خرب منها بسبب الحرب.
وتزامنا مع حديثه عن إعادة النظر في حدود إيطاليا، أيد ولسن حق الشعوب في تقرير مصيرها بالبلقان مؤكدا على ضرورة منح العرقيات المقيمة بالإمبراطورية النمساوية المجرية حق تقرير مصيرها وجلاء القوات النمساوية والألمانية عن كل من صربيا ورومانيا والجبل الأسود وإقامة علاقات دبلوماسية جيدة بين مختلف دول البلقان لتجنب نزاعات مستقبلية. وبالنسبة للدولة العثمانية، تحدث ولسن عن ضمان سيادة الأجزاء التركية ومنح بقية الشعوب، المكونة للدولة العثمانية، حق تقرير المصير. وبالتزامن مع ذلك، طالب الرئيس الأميركي بإنشاء دولة بولندية ومنحها منفذا على البحر. ولضمان الحفاظ على السلم العالمي، أيد ولسن فكرة إنشاء منظمة دولية تختص بمهام فض النزاعات بشكل سلمي وعادل بين مختلف الدول. بمؤتمر باريس للسلام عقب الحرب العالمية الأولى، أعاد ولسن طرح نقاطه لضمان السلام العالمي. وفي الأثناء، اصطدم الأخير بمعارضة بريطانية فرنسية لقسم كبير من مقترحاته.