خلال القرن التاسع عشر، لم تتردد القوى الأوروبية في التوسع بالقارة الأفريقية بحثا عن أسواق جديدة وموارد طبيعية إضافية لتغذية الحاجيات المتزايدة للمصانع التي عرفت تقدما تكنولوجيا هائلا في خضم الثورة الصناعية. وبتلك الفترة، تسابقت القوى الأوروبية للحصول على أكبر عدد من المستعمرات بأفريقيا. ولتبرير تدخلهم، قدّم الأوروبيون العديد من الأسباب والدوافع فتحدثوا عن مهمة حضارية لتطوير القارة السمراء ونشر التعليم الحديث والديانة المسيحية بين الشعوب الأفريقية التي وصفوها بالمتخلفة والبدائية. فضلا عن ذلك، غذّت نظريات المركزية الأوروبية وهيمنة الرجل الأبيض الدوافع الاستعمارية للأوروبيين.
صورة لقسم من بقايا زمبابوي العظمى
وخلال سبعينيات القرن التاسع عشر، تلقت هذه النظريات الأوروبية صفعة عقب اكتشاف أثري قام به المستكشف وعالم الجغرافيا الألماني كارل ماوخ (Karl Mauch).
اكتشاف زمبابوي العظمى
بعد مضي خمس سنوات فقط عن اكتشاف مناجم الذهب بمناطق ترانسفال (Transvaal) بجنوب أفريقيا، انطلق المستكشف كارل ماوخ في رحلة داخل أدغال القارة الأفريقية. ويوم 5 أيلول/سبتمبر 1871، اكتشف الأخير بقلب أفريقيا الجنوبية مدينة زمبابوي العظمى (Great Zimbabwe) التي مثلت كتلة كبيرة من الحجارة والأبراج والجدران. وقد امتدت زيمبابوي العظمى على مساحة 7 كلم مربع بين نهري زمبيزي (Zambezi) وليمبوبو (Limpopo) بمنطقة من أدغال أفريقيا الموجودة فوق هضبة من الغرانيت بأفريقيا الجنوبية.
صورة للمستكشف كارل ماوخ
من جهة ثانية تكونت زيمبابوي العظمى من جدران وتحصينات بنيت من الغرانيت كما امتلكت بقايا بنايات كبيرة بنيت من الحجر المنحوت بشكل جيد. أيضا، تواجدت بهذه المدينة القديمة العديد من النقوش التي جسدت حيوانات كالعصافير. وبسبب ذلك، وصفت المنطقة كمدينة قديمة ومتحضرة تعود للعصور الوسطى بقلب أفريقيا الجنوبية.
أوج زمبابوي العظمى
بسبب اقتناعه بالنظريات الأوروبية، بالقرن التاسع عشر، التي تحدثت عن عدم امتلاك الشعوب الأفريقية لحضارة، اتجه كارل ماوخ للربط بين اكتشافه وقصص الكتاب المقدس وتحدث عن امتلاك ملكة سبأ لزيمبابوي العظمى ومناجم الذهب بترانسفال.
رسم تخيلي لقسم من زمبابوي العظمى قديما
إلى ذلك، انتمت هذه الآثار التي عثر عليها، ضمن موقع زمبابوي العظمى، لحضارة شعب الشونا (Shona) المنتمين لعرقية البانتو (Bantu). وحسب لغة الشونا، امتلكت زمبابوي العديد من المعاني كانت أبرزها "قلب الملك". وفي الأثناء، عرفت المنطقة التي وجدت بها مدينة زيمبابوي العظمى ازدهارا كبيرا ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر عقب هجرة البانتو نحو الجنوب.
صورة لأحد الممرات بزيمبابوي العظمى
وبأوجها، احتضنت زمبابوي العظمى ما بين 10 و20 ألف ساكن كما تاجرت مع الشرق الأقصى اعتمادا على موانئ الساحل الشرقي الأفريقي وصدرت كميات هامة من الذهب والعاج موفرة بذلك حياة الرفاهية لسكانها. وحسب أبحاث علماء الآثار، عثر بداخل زمبابوي العظمى على أدوات صنعت من النحاس إضافة للمجوهرات. وبسبب ذلك، تحدث مؤرخون عن إمكانية استيراد هذه المواد من الشرق.
جانب من آثار زمبابوي العظمى
من جهة ثانية، امتد نفوذ زمبابوي العظمى نحو مناطق توجد اليوم بكل من زمبابوي وزامبيا والموزمبيق ومالاوي. وبداية من القرن الخامس عشر، عرفت زمبابوي العظمى تراجعا وانهيارا سريعا بسبب تقدم مملكة موتابا (Mutapa) التي سرعان ما هيمنت على المنطقة ونقلت مراكز التجارة الأساسية نحو جنوب وغرب القسم السفلي من القارة.