يوم 21 يناير 1924، فارق فلاديمير لينين الحياة عن عمر ناهز 53 سنة، وخلال السنوات التي سبقت وفاته، تزعم فلاديمير لينين البلشفيين الذين نجحوا في الإطاحة بالحكومة المؤقتة في خضم ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1917.ومع نجاحه في حسم الحرب الأهلية الروسية لصالحه، تمكن لينين، بمساعدة رفاقه البلاشفة، من فرض وجود الإتحاد السوفيتي على الخارطة تزامنا مع تحوله لرمز من رموز الحركات العمالية في العالم. إلى ذلك، أدى رحيل لينين لظهور أزمة سياسية بالاتحاد السوفيتي، حيث تنافس كل من تروتسكي وستالين على خلافته. وبمنتصف العشرينيات، تمكن ستالين من حسم هذا الصراع السياسي لصالحه قبل أن يقدم على عزل ونفي تروتسكي خارج البلاد.
وأثناء فترة حكمه التي استمرت لنحو ربع قرن، تسبب ستالين في مقتل أكثر من 20 مليون شخص عن طريق الإعدامات والمجاعات والإرهاق بمعسكرات العمل القسري. وحسب العديد من المؤرخين، كاد الاتحاد السوفيتي أن يتجنب هذه الفترة الدموية لولا الوفاة المبكرة لياكوف سفيردلوف (Yakov Sverdlov) الذي مثّل ثالث وجه سياسي بالاتحاد السوفيتي وأبرز شخصية رشّحت لخلافة لينين.
الصعود السياسي لسفيردلوف
منذ العام 1902، التحق سفيردلوف، المولود سنة 1885 بنيجني نوفغورود (Nizhny Novgorod)، بحزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي واتجه لدعم توجهات فلاديمير لينين. وعقب فشل ثورة العام 1905، انتقل الأخير نحو الأورال أين تزعم عددا من الحركات العمالية، وطيلة العشرية التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى، تعرض سفيردلوف للاعتقال والسجن بأكثر من مناسبة.
مع نجاح ثورة شباط/فبراير 1917، عاد سفيردلوف نحو بيتروغراد، أي سانت بطرسبرغ، أين حصل على منصب هام بالحزب الشيوعي. وبالأشهر التالية، لعب الأخير دورا هاما في قيادة ونجاح الثورة البلشفية التي أسفرت عن حصول البلاشفة على مقاليد الحكم تزامنا مع سقوط الحكومة المؤقتة. وبداية من العام 1918، تقلد سفيردلوف منصب سكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي ليصبح بفضل ذلك ضمن قائمة أهم ثلاثة وجوه سياسية بلشفية روسية.
وفاة مفاجئة
وأثناء فترة تقلده لهذه المناصب الهامة، شارك سفيردلوف في اتخاذ العديد من القرارات التي غيرت مستقبل روسيا. فإضافة لدعمه لسياسة الإرهاب الأحمر التي اعتمدت لقمع معارضي فلاديمير لينين، دعم هذا المسؤول البلشفي عملية القضاء على القوزاق بروسيا. وخلال شهر تموز/يوليو 1918، كان سفيردلوف ضمن الشخصيات التي أمرت بالقضاء على كامل عائلة رومانوف، أي عائلة القيصر السابق نيقولا الثاني، عن طريق إعدامهم رميا بالرصاص ودفن جثثهم بموقع مجهول حيث أكد سفيردلوف حينها على ضرورة اتخاذ هذه الخطوة لإنهاء الحرب الأهلية والقضاء على الجيش الأبيض.
وطيلة الفترة التي تلت الثورة البلشفية، تحول سفيردلوف لأهم شخصية بلشفية بعد كل من لينين وتروتسكي. فضلا عن ذلك، رشح كثيرون سفيردلوف لقيادة البلاد بعد لينين بسبب تقارب أفكاره مع توجهات مؤسس الاتحاد السوفيتي. إلى ذلك، فارق سفيردلوف الحياة بشكل مفاجئ وهو في الثالثة والثلاثين من العمر. وليومنا الحاضر، لا تزال أسباب وفاته غير واضحة حيث رجّح الأطباء وفاته إما بسبب التيفوس أو الحمى الإسبانية اللتين كانتا منتشرتين بروسيا بتلك الفترة. فعقب زيارة قام بها لأوكرانيا، أصيب سفيردلوف بالحمى الإسبانية. وعلى الرغم من تدهور حالته الصحية، واصل الأخير عمله بالحزب الشيوعي. ويوم 14 آذار/مارس 1919، فقد سفيردلوف وعيه قبل أن يعلن رسميا عن وفاته بعد يومين. ومع وفاة هذه الشخصية البارزة، تمكن ستالين من دعم موقعه بالحزب الشيوعي ليصبح ثالث أهم وجوه الحزب. ومع وفاة لينين، أطاح ستالين بتروتسكي ليستفرد بالسلطة لفترة قدرت بنحو ربع قرن.