أثناء زيارته للعاصمة البوسنية سراييفو يوم 28 يونيو 1914، تعرض ولي عهد النمسا فرانز فرديناند لإطلاق نار من قبل أحد أفراد منظمة البوسنة الشابة. وخلال هذه العملية، وجّه غافريلو برانسيب (Gavrilo Princip)، المصنف كأحد صرب البوسنة، رصاصات من مسدسه نحو عربة ولي عهد النمسا متسببا في مقتل الأخير وزوجته صوفي. وبعد نحو شهر واحد عن هذه الحادثة، شهد العالم اندلاع الحرب العالمية الأولى عقب تفعيل سياسة التحالفات القائمة بأوروبا. وقد استمرت هذه الحرب لأكثر من 4 سنوات متسببة في مقتل وإصابة نحو 20 مليون شخص.
وخلافا لبريطانيا التي جنّدت الهنود والصينيين للقيام بالمهام الشاقة، عمدت فرنسا لتجنيد عدد كبير من سكان مستعمراتها بأفريقيا واتجهت في الآن ذاته لإرسالهم مباشرة نحو جبهات القتال. وفي الأثناء، تسببت موجات التجنيد التعسفية في اندلاع تمردات بالقارة السمراء. وردا على ذلك، لم تتردد فرنسا في اعتماد الخيار العسكري لقمع هذه التحركات الشعبية الرافضة لعمليات التجنيد.
اجتماع القرى والقبائل
بالمناطق التي تضم حاليا كلا من بوركينا فاسو ومالي، اجتمع عدد من قادة القرى والقبائل سنة 1915، تزامنا مع نهاية موسم الأمطار، عند منطقة بونا (Bona)، الواقعة حاليا ببوركينا فاسو بمحافظة موهون (Mouhoun)، لمناقشة سياسة التجنيد التعسفي والمجاعة والضرائب والعمل الإجباري التي فرضها الاحتلال الفرنسي بمستعمرات غرب إفريقيا الفرنسي وإفريقيا الإستوائية الفرنسية منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى. فبسبب النقص الفادح بالقوات لمواجهة الألمان على الساحة الأوروبية، عمد الفرنسيون لتجنيد أعداد كبيرة من سكان مستعمراتهم استعدادا لنقلهم نحو الخطوط الأمامية بجبهات القتال. مستغلين انشغال باريس بالدفاع عن حدودها أمام التقدم الألماني بالجبهة الغربية بأوروبا، تحدّث الجميع حينها عن مرور فرنسا بفترة صعبة أضعفت وجودها بالقارة السمراء. وأمام هذا الوضع، اتفق المجتمعون على حمل السلاح بوجه الاحتلال الفرنسي أملا في طرد الجنود الفرنسيين وحلفائهم من المنطقة والحصول على الإستقلال.
حرب فولتا باني
وعلى الرغم من تسليحهم الرديء الذي اقتصر على بعض البنادق القديمة والحجارة والرماح والسيوف والسهام، تمكن الثوار الأفارقة خلال شهر ديسمبر 1915 من صد وطرد فرقة فرنسية، تكونت من نحو 250 مجند فرنسي وأفريقي، منتمية لغرب إفريقيا الفرنسي. لقّبت هذه الإنتفاضة الأفريقية التي اندلعت بما عرف حينها بفولتا العليا بحرب فولتا باني (Volta-Bani). وبأوج هذه الحرب، تحدثت المصادر الفرنسية عن نجاح الثوار الأفارقة في حشد ما بين 15 و20 ألف مجند انتموا لأعراق وقبائل مختلفة كالسننكي والبوا والسامو والمينيانكا والفولاني.
مثّلت حرب فولتا باني أبرز تهديد للوجود الفرنسي بالمنطقة منذ بداية الإستعمار وتنظيم مستعمرات غرب إفريقيا الفرنسي وإفريقيا الإستوائية الفرنسية. وأملا في إنهائها، كلف قائد القوات الفرنسية بغرب إفريقيا الفرنسي الجنرال بينو (Pineau) زميله الكولونيل هيبوليت مولار (Hippolyte Molard) بقيادة عملية إخماد هذه الثورة المسلحة. وبمساعدة نحو 750 عسكري، مدججين بالأسلحة، وفرقتين من الجنود المسلحين بالأسلحة الرشاشة، قاد مولار ما عرف بالحملة "التأديبية" ضد القرى المتمردة. وبحلول شهر أبريل 1916، حلت فرقتان عسكريتان فرنسيتان بالمنطقة لدعم مولار في مهمته.
بحلول سبتمبر 1916، تمكن الفرنسيون من حسم حرب فولتا باني لصالحهم. وخلال هذه المعارك التي استمرت لأشهر، دمرت القوات الفرنسية نحو 110 قرية متسببة في موجة هجرة بالمنطقة. فضلا عن ذلك، أسفرت هذه الحملة الفرنسية عن مقتل الآلاف من سكان المنطقة، أكثر من 20 ألف حسب بعض المصادر، ممن قتلوا إما رميا بالرصاص أو بسبب الجوع والأمراض.