بالقرن الماضي، تسببت الحقبة الاستعمارية والحربان العالميتان الأولى والثانية بالعديد من المجاعات بالمستعمرات التي اضطرت في الغالب لتوفير الحاجيات الغذائية والطاقية للدول المستعمرة، وبسبب ظروف الحرب لم تكترث الدول المستعمرة لظروف مستعمراتها مفضلة استنزافها بهدف توفير مستلزمات مصانعها وشعوبها. ومن ضمن هذه المجاعات التي تسببت فيها الحقبة الاستعمارية، يذكر التاريخ مجاعة فيتنام التي تواجدت بتلك الفترة ضمن مستعمرات الهند الصينية الفرنسية.
أسباب المجاعة
وتماما كالعديد من المستعمرات المطلة على المحيط الهادئ بالحرب العالمية الثانية، وجدت الهند الصينية، التي ضمت مناطق من فيتنام، نفسها في دوامة المعارك والقصف، فعقب الاجتياح الألماني لفرنسا عام 1940، أدارت حكومة فيشي (Vichy)، الحليفة للنازيين، شؤون المنطقة. وفي المقابل، تدخل اليابانيون، الذين تواجدوا ضمن دول المحور بالحرب العالمية الثانية، بشكل مباشر بهذه المستعمرة الفرنسية أملا في الاستفادة من موقعها ومواردها. خلال العام 1944، شنت الولايات المتحدة الأميركية غارات جوية مكثفة على مناطق عدة من الهند الصينية الفرنسية متسببة في قطع إمدادات الفحم القادمة من سايغون (Saigon).
وأمام هذا الوضع، لم يتردد مسؤولو حكومة فيشي بالمنطقة واليابانيون في الاعتماد على الوقود المستخرج من الأرز والذرة لتشغيل محطات الطاقة التي كانت ضرورة لدعم جهود الحرب، وأملا في الحصول على الأرز والذرة من المزارعين، عمد مسؤولو فيشي لرفع سعر هذه المواد الغذائية التي قاموا بشرائها من التجار والفلاحين. من جهة ثانية، واصل سعر هذه المواد الغذائية الارتفاع بشكل سريع جدا، وبسبب ذلك، لم يتمكن المزارعون بالمواسم التالية من شراء مستلزماتهم من الذرة والأرز التي كانت ضرورية لزراعة الأراضي الفلاحية.
وإضافة لكل ذلك، لم يتردد اليابانيون في إجبار العديد من المزارعين على تغيير زراعتهم حيث أمر الاحتلال الياباني سكان الهند الصينية الفرنسية بزراعة القطن والجوت، الذي استخدم في صناعة الحبال، بدلا من زراعة مواد غذائية أخرى كالبطاطس. وإضافة لكل هذه العوامل الصعبة، تعكرت وضعية سكان المنطقة بسبب التقلبات المناخية. فما بين عامي 1943 و1945، شهدت الهند الصينية الفرنسية فيضانات وموجة جفاف أتلفت نسبة هائلة من المحاصيل. أيضا، عمدت القوات الأميركية بأكثر من مناسبة لقصف مخازن المحاصيل وهو ما أدى بدوره لتخريب وإحراق كميات هامة منها.
مليونا ضحية
وإضافة لجنود فيشي، أي قوات فرنسا الحليفة لألمانيا، اضطرت الهند الصينية الفرنسية لإطعام ما لا يقل عن 140 ألف عسكري ياباني ممن تواجدوا على أراضيها. ولتلبية حاجياتهم، صادر هؤلاء الجنود المواد الغذائية التي عثروا عليها لدى سكان المنطقة. مطلع العام 1945، أجبر ملايين السكان على السير لمسافات طويلة والتنقل بين مختلف مدن الهند الصينية الفرنسية للبحث عن الغذاء، وعلى حسب التقديرات، قدّر عدد ضحايا المجاعة التي ألمت بالمنطقة بما بين 400 ألف ومليوني ضحية. وفي الأثناء، رجّحت سلطات فيتنام ما بعد الاستقلال سقوط ما يزيد عن مليوني قتيل بسبب هذه الكارثة الإنسانية التي تسبب بها اليابانيون والفرنسيون.
وفي خضم المجاعة، عمد أهالي الهند الصينية لمهاجمة مخازن وقوافل الغذاء المخصصة للعسكريين. وكرد على ذلك، اتجه الجنود اليابانيون لمعاقبة السكان المحليين عن طريق تشويههم جسديا. لاحقا، تسببت هذه التصرفات اليابانية في حالة من الغضب وسرعان ما دفعت بالأهالي للاصطفاف خلف الفيت مين (Việt Minh) التي ناضلت من أجل الاستقلال لفيتنام.