بفترتنا الحالية، تصنف القهوة رفقة الماء والشاي، ضمن قائمة أهم المشروبات التي يتناولها البشر بشكل يومي، فبمختلف أرجاء العالم، يقبل عدد كبير من البشر على تناول هذا المشروب بمختلف أوقات اليوم. إلى ذلك، تحيط العديد من الأساطير بتاريخ نشأة القهوة وظهورها، وتعود أبرز هذه الأساطير للقرن التاسع ميلادي والتي تحدثت عن اكتشافها من قبل راع غنم إثيوبي يدعى كالدي (Kaldi). وفي هذه الأثناء، ظلت تثير مادة الكافيين الموجودة بالقهوة مشاكل صحية للعديد من البشر المعجبين بمذاق هذا المشروب، وقد انتظر هؤلاء مطلع القرن العشرين ليحصلوا على قهوة خالية من الكافيين بفضل المكتشف الألماني لودفيغ روزيليوس (Ludwig Roselius).

اكتشاف بمحض الصدفة
ويعتبر لودفيغ روزيليوس، المولود عام 1874 بمدينة بريمن (Bremen) الألمانية، واحدا من أهم تجار القهوة بالعالم. فعام 1902، اشترى الأخير مقرا بشارع بوتشر شتراسي (Böttcherstrasse). وبالعام 1906، أسس روزيليوس بهذه المنطقة مؤسسته الشهيرة كافي هاغ (Kaffee HAG) التي تميزت بإنتاجها للقهوة الخالية من الكافيين ودرت عليه أرباحا مالية هامة. إلى ذلك، أبدى لودفيغ روزيليوس نوعا من العداء تجاه القهوة. ففي التاسعة والخمسين من العمر، فارق والده، الذي كان مهووسا بشرب القهوة، الحياة بشكل مفاجئ. وحسب أطباء تلك الفترة، جاءت وفاة والد لودفيغ روزيليوس بسبب إدمانه الكبير على شرب القهوة. وفي الأثناء، ألهمت هذه الحادثة لودفيغ روزيليوس على ابتكار طريقة لنزع مادة الكافيين من القهوة وتقديمها لحرفائه.

إلى ذلك، جاء ابتكار عملية نزع الكافيين من القهوة بمحض الصدفة. فعام 1903، غرقت إحدى شحنات القهوة التي كان من المفترض أن يتلقاها روزيليوس بعرض البحر. ومع استرجاعه لنسبة من هذه الشحنة، لاحظ روزيليوس أن ماء البحر المالح قد جرّد حبات القهوة من مادة الكافيين دون أن يفقدها مذاقها. وانطلاقا من ذلك، ابتكر روزيليوس عملية نزع كافيين القهوة. وفي البداية، اقتصرت طريقته على غلي الماء المالح وخلع الملابسض حبات القهوة لبخار هذا الماء لفتح مساماتها قبل شفطها مرات متكررة بالبنزين لنزع الكافيين منها. وبالفترة الحالية، تم تعويض البنزين بمواد أخرى عقب اكتشاف مضار هذه المادة على صحة الإنسان.

من صديق للنازيين لمعارض شرس لسياسة هتلر
بفضل هذا الابتكار، حقق روزيليوس شهرة عالمية تزامنا مع انتشار استهلاك القهوة الخالية من الكافيين بالعديد من الدول. وخلال العشرينات، تحول روزيليوس لواحد من أبرز مسانيد الحزب النازي بألمانيا حيث أيد الأخير أفكار وتوجهات أدولف هتلر لبناء ألمانيا جديدة. من جهة ثانية، أبدى روزيليوس إعجابا كبيرا بالفنون. وبسبب ذلك، اتجه مبتكر القهوة الخالية من الكافيين لجمع الألواح الفنية كما عمد لتزيين شارع بوتشر شتراسي بالعديد من الأعمال الفنية. وفي الأثناء، لم ترق هذه الأعمال الفنية، التي أيدها روزيليوس، لأدولف هتلر الذي صنّفها ضمن الفنون الدنيئة والمارقة. وبسبب ذلك، رفضت جميع مطالب روزيليوس للالتحاق بالحزب النازي.

ومنذ منتصف العشرينات، أبدى روزيليوس إعجابه بالطائرات، وانطلاقا من ذلك، لم يتردد الأخير في شراء نسبة من مؤسسة فوكه وولف (Focke-Wulf) التي اختصت في صناعة الطائرات العسكرية والمدنية وأنتجت العديد من المقاتلات الألمانية بالحرب العالمية الثانية. وخلال العام 1942، أي قبل عام عن وفاته، تحول روزيليوس، بشكل سري، لواحد من أبرز معارضي النظام النازي حيث عبّر هذا الرجل الألماني حينها عن رفضه القاطع للمعاملة السيئة التي تلقاها أسرى الحرب الذين أجبروا على العمل بمصانع الأسلحة الألمانية.