يعتقد بعض الناس أن وجود إشارات المرور في الطرق أمر مزعج ومستفز، فهي تجعلهم في بعض الأحيان يتأخرون عن أعمالهم، إلاّ أنّ الأمر في الحقيقة ساهم في تجنيب العالم كوارث كبرى، مثلاً في عام 1913، وهو العام الذي شهد ظهور سيارات هنري فورد، قتل نحو 4 آلاف شخص في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب التصادم والازدحام، وغياب إشارة المرور. تخيّل ذلك، ماذا يحدث الآن، وقرابة ملياري سيارة تسير في الشوارع دون إشارة المرور؟ هل تستطيع أن تسير بأمان في مدينتك؟! بالطبع سيكون شيئاً صعباً، بل مستحيلاً!
الرومان أوّل من اخترع إشارات المرور
كان الرومان هم أوّل الشعوب التي فكّرت في طريقة لتنظيم المرور في الشوارع والميادين، من خلال ابتكارها لإشارة المرور في القرن الخامس. كانت هذه الإشارات في الواقع عبارة عن عمود من الحجارة يوضع على جانب الطريق لتوضيح اتجاهات السير والمسافات المتبقية إلى القرى والمدن. وكان يطلق على هذه الحجارة اسم "ملياريس"، والذي يعتقد أنه أصل وحدة قياس الميل المستخدمة اليوم في قياس المسافات. وطيلة القرون العشر الموالية، مرّت إشارات المرور بتطورات عديدة وأصبحت العلامات المرورية منتشرة في كل مكان وخاصة عند التقاطعات، من خلال إشارات خشبية أو علاماتٍ حجرية.
تاريخ الإشارات المرورية العصرية
استمر العالم في السير بنظام إشارة المرور التقليدية، وتزامناً مع كثرة الدراجات والعربات التي شكلت إزدحماً في المدن، وتسببت على عرقلة السير في الشوارع بشكل ملفت، كان لزاماً أن يأخذ نظام إشارة المرور منحناً آخر أكثر تكوراً وتنظيماً. في العام 1868، اخترعت بريطانيا أول إشارة مرور ضوئية في العالم، والتي صممها مهندس السكك الحديدية "جون بيك نايت"، وتم تركيبها للمرة الأولى في 10 ديسمبر/كانون الأوّل من تلك السنة في أحد شوارع مدينة لندن، كانت إشارة المرور الضوئية المبتكرة تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ إشارات السكك الحديدية؛ حيث كانت تضمن ذراعين متحركين، أحدهما لونه أحمر والآخر أخضر.
كانت هذه الإشارة تعمل بالغاز، الغاز الأحمر ليلاً، والغاز الأخضر نهاراً، وكان الهدف منها هو تجنب حدوث تصادم بين العربات التي تجرها الخيول، خاصة في الليل؛ حيث الظلام والضباب، وأقيمت هذه الإشارة على عمود من الحديد يصل طوله إلى 23 قدماً. لكنّ هذه الإشارة لم تكن تعمل بشكل آلي بل كانت تتطلب وقوف شرطي بجانبها يتحكم بها طول الوقت، لذا كان على البشر أن يطوّر المبدأ أكثر.
ففي عام 1890، تم اختراع أول إشارة مرور آلية لا تحتاج لتدخل العنصر البشري في الولايات المتحدة، وفي عام 1910 طور رجل أمريكي يدعى "Ernest Sirrine" النظام الآلي لإشارات المرور حيث جعل الأضواء تتغير ما بين الأخضر والأحمر ويقوم أيضاً بتغيير كلمتي "تقدم" و"قف" غير مضيئتين.
ومع بداية القرن العشرين، أخذت إشارات المرور في التطوّر أكثر، ففي عام 1912 تم تطوير إشارات المرور فأصبحت تعمل بالكهرباء مستخدمة الضوئيين الأخضر والأحمر. وفي عام 1920 أدخل ضابط الشرطة الأمريكي William Potts اللون الأصفر إلى إشارات المرور، إذ أدرك أن نظام الضوء الأحمر والأخضر لا يمنح الناس الوقت الكافي للتوقف عند سرعات معينة، فقام بابتكار نظام بضوء أصفر يضيء بعد الضوء الأحمر، وذلك لتنبيه السائقين الضوء الأحمر على وشك الظهور.
وطيلة تلك السنوات بقي تطوّر إشارات المرور الضوئية منحصراً على القارة الأمريكية، إذ تم تركيب أول جهاز من إشارات المرور الضوئية الكهربائية في أوروبا فقط في العام 1924، وذلك في ساحة بوتسدام بلاتز في برلين. وبحلول الثلاثينيات، عرفت إشارات المرور انتشاراً واسعاً، فعلى سبيل المثال كان لدى جميع المدن الأمريكية والعديد من البلدات الصغيرة إشارة مرور كهربائية واحدة على الأقل، وساهم بشكلٍ لافتٍ في تنظيم المرور والتقليل من الخسائر، إذ انخفضت الوفيات الناجمة عن تصادم السيارات في الولايات المتحدة بأكثر من 50% من عام 1914 إلى عام 1930.
توحيد إشارات المرور عالمياً
عملت منظمة الأمم المتحدة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، على ضرورة وجود إشارات مرور تكون موحدة ومتعارف عليها دولياً، وعليها تم الاتفاق دولياً على المعايير العالمية الخاصة باشارات المرور، وهي أن يكون اللون الأحمر في أعلى الإشارة يليه اللون البرتقالي ثم اللون الأخضر. أما إذا تم تركيب الإشارة الضوئية بشكل عرضي، فإن ترتيب الألوان يختلف بحسب قاعدة المرور، فتكون الإضاءة الحمراء على اليسار للدول التي تسمح بالمرور في اليمين، ويكون في اليمين في الدول التي تسمح بالمرور في اليسار.
ما الدولة التي تعيش بلا إشارات ضوئية في شوارعها؟
بوتان هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا توجد بها إشارات مرور في طرق وشوارع عاصمتها. إلا أنه بالطبع يوجد بديل عن هذا الاختراع، حيث يقف رجال الشرطة في مدينة تيمفو عند جميع التقاطعات الرئيسية؛ ليتمكنوا بذلك من إدارة حركة مرور السيارات والمشاة بشكل يدوي ومباشر. يُذكر أن أهالي هذه المدينة كانوا قد جربوا تركيب الإشارات المرورية في شوارعهم لفترة قصيرة من الزمن، إلا أنهم اشتكوا منها على الفور، واعتبروها غير فعالة مقارنة بالشرطة المرورية.