خلال العام 1255، أسس فرسان تيوتون (Teutonic Knights) أثناء حملات البلطيق الصليبية مدينة أطلقوا عليها اسم كونغسبرغ (Königsberg) بالمناطق الواقعة حالياً ما بين بولندا وليتوانيا. وقد جاءت تسمية كونغسبرغ حينها نسبةً لملك بوهيميا أوتوكار الثاني (Ottokar II) الذي استلم العرش ما بين عامي 1253 و1278. وحصلت كونغسبرغ على مكانة هامة حيث اعتُمدت الأخيرة كعاصمة لإمارة نظام التيوتون قبل أن تصبح فيما بعد عاصمة لدوقية بروسيا وبروسيا الشرقية. وعلى الرغم من انتقال العاصمة نحو برلين عام 1701، حافظت كونغسبرغ على مكانتها التاريخية ورمزيتها السياسية حيث اعتمدها الملوك البروسيون لمراسم التتويج واستلام العرش. وبالقرن العشرين، تحولت هذه المنطقة لواحدة من أكثر المناطق المثيرة للجدل حيث استولى عليها السوفييت وضموها لممتلكاتهم عقب الحرب العالمية الثانية.
أثناء فترة الحرب العالمية الثانية، تعرضت كونغسبرغ لقصف مكثف من طائرات الحلفاء. فمنذ العام 1941، أمطرت الطائرات البريطانية، والأميركية لاحقاً، المدينة بمئات الأطنان من القنابل جاعلةً منها كومة من الحجارة. وما بين شهري يناير وأبريل 1945، فرضت القوات السوفيتية حصاراً خانقاً على كونغسبرغ التي فقدت بهذه الفترة عشرات الآلاف من سكانها الذين سقطوا بين قتلى وجرحى. من ناحية ثانية، لم يتردد الجيش الأحمر السوفيتي في أسر نحو 80 ألفاً من سكان المنطقة الذين سرعان ما أرسِلوا نحو مراكز العمل القسري بالمناطق السوفيتية النائية. خلال مؤتمر بوتسدام (Potsdam) المنعقد مطلع أغسطس 1945، اجتمع الأميركيون والبريطانيون والسوفييت لتقرير مصير ألمانيا ما بعد الحرب. وفي خضم هذا المؤتمر، اتفق المجتمعون على ضبط الحدود الألمانية الجديدة وتجريد ألمانيا من سلاحها تزامناً مع إقرار مبدأ تعويضات الحرب ومحاكمة النازيين السابقين. وفي خضم المؤتمر، أصر ستالين على مبدأ تعويض الاتحاد بقطعة من الأراضي الألمانية حيث تحدث الأخير حينها عن حجم الخراب الذي لحق ببلاده بسبب الهجوم الألماني.
إلى ذلك، حصل الاتحاد السوفيتي بإصرار من ستالين على كونغسبرغ والأراضي المحيطة بها التي مثلت حينها جزءا من بروسيا الشرقية. سنة 1946، اتجه السوفييت لإعادة تسمية كونغسبرغ وكامل المنطقة المحيطة بها. وانطلاقاً من ذلك، أطلق على المدينة، والمنطقة، اسم كالينينغراد (Kaliningrad) لتخليد اسم ميخائيل كالينين (Mikhail Kalinin)، رئيس مجلس السوفييت الأعلى، الذي توفي خلال العام نفسه عقب معاناة مع مرض السرطان. وحسب المصادر السوفيتية، كان ميخائيل كالينين واحداً من أعضاء المكتب السياسي السوفيتي الذين وافقوا على مذبحة كاتين (Katyn) التي أعدمت خلالها قوات مفوضية الشعب للشؤون الداخلية السوفيتية حوالي 22 ألف أسير حرب بولندي عام 1940.
بالفترة التالية، تحولت المنطقة لأوبلاست (مقاطعة)، عُرف بأوبلاست كالينينغراد، تابع لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية. وما بين عامي 1947 و1948، تلقى السكان الألمان بهذه المنطقة أوامر بحمل أغراضهم والرحيل عنها ليحل بدلاً منهم سكان جدد ذوي أصول روسية. من جهة ثانية، رفضت جمهورية ليتوانيا الاشتراكية السوفيتية فكرة انضمام كالينينغراد لممتلكاتها بسبب تواجد أعداد كبيرة من الروس، حوالي مليون روسي، بهذا الأوبلاست حيث تخوف الجميع حينها من مدى تأثير ذلك على تناسق النسيج الديمغرافي بليتوانيا.
حسب عدد من المؤرخين الروس المعاصرين، تعمّد ستالين الحصول على كالينينغراد أثناء مؤتمر بوتسدام حيث حاول الأخير حينها إنشاء نوع من المناطق العازلة التي قد تفصل البلطيق عن غرب أوروبا. ومع استلامها لكالينينغراد، فرضت موسكو اللغة الروسية بالمنطقة واتجهت لإنشاء تمثال لستالين بها. عقب سقوط الإتحاد السوفيتي عام 1991، تحولت كالينينغراد لمنطقة روسية معزولة ومحاصرة بأوروبا تزامناً مع انضمام كل من بولندا وليتوانيا لحلف شمال الأطلسي. ويحمل أوبلاست كالينينغراد رمزية هامة للروس. فغير بعيد عن مدينة كالينينغراد، يتواجد ميناء بالتييسك (Baltiysk) الذي تصفه موسكو بالميناء الوحيد لديها الخالي من الجليد على مدار العام. ويعتمد الروس بشكل كبير على هذا الميناء بأشغال صيانة سفن وعتاد أسطول البلطيق.
نننن