يوم 22 حزيران/يونيو 1941، أطلق الألمان العنان لأكبر عملية غزو بري عرفها التاريخ حيث باشر حوالي 3 ملايين جندي ألماني تدخلهم بالأراضي السوفيتية ضمن عملية بربروسا (Barbarossa). وفي خضم هذه العملية العسكرية التي مثلت جزء من الحرب العالمية الثانية، فرض الألمان واحدا من أطول الحصارات التي عرفها التاريخ على مدينة لينينغراد. وقد استمر الحصار الألماني على مدينة لينينغراد، التي سميت كذلك نسبة لفلاديمير لينين مؤسس الإتحاد السوفيتي، حوالي 16 شهرا عانى أثناءها المدنيون، المقدر عددهم بأكثر من مليونين، من ويلات الجوعوضربات المدافع والطائرات الألمانية.
نقص في الغذاء وممر نحو المدينة
طيلة فترة الحصار، حاول الجيش الأحمر السوفيتي بأكثر من مناسبة خلق ثغرة نحو لينينغراد، المعزولة، أملا في نقل جانب من المواد الغذائية إليها. وفي الأثناء، مثلت بحيرة لادوغا (Ladoga) المتجمدة الطريق الوحيد الذي اعتمده المسؤولون السوفييت لنقل الإمدادات نحو لينينغراد. وبسبب الظروف المناخية الباردة وهشاشة الجليد بالبحيرة، لم تتمكن موسكو من توفير حاجيات لينينغراد التي توفي العديد من سكانها بسبب نقص الغذاء. من جهة ثانية، انتظر أهالي لينينغراد حلول شهر يناير/جانفي 1943 ليتنفسوا الصعداء. فبتلك الفترة، تمكن الجيش الأحمر السوفيتي من شن هجوم خاطف عند الضفة الجنوبية لبحيرة لادوغا. وقد أسفر هذا الهجوم حينها عن خلق ممر بري، بلغ طوله 33 كلم وعرضه 11 كلم، نحو لينينغراد المحاصرة.
4729 قطار
وأملا في إنقاذ لينينغراد، باشر السوفييت بتشييد ما عرف بسكة النصر الحديدية بهذا الممر الذي سيطروا عليه. وانطلاقا من ذلك، اتجه المسؤولون السوفييت لتسهيل نقل الإمدادات نحو لينينغراد عن طريق استخدام القطارات التي تميزت بسرعتها وقدرتها على نقل كميات كبيرة من المواد الغذائية والذخائر. وبسبب عدم قدرتهم على شن هجوم إضافي ضد الألمان لتوسيع الممر البري، باشر السوفييت بوضع خطوط السكك الحديدية بمنطقة ضيقة كانت بمرمى المدافع الألمانية. فضلا عن ذلك، تميزت هذه المنطقة بتضاريسها الوعرة وتربتها الرديئة التي عكّرت صفو عملية تشييد السكة الحديدية. ويوم 22 يناير/جانفي 1943، انطلقت أشغال تشييد سكة النصر الحديدية. وبسبب تواجد الألمان بالمناطق المجاورة وحاجة لينينغراد الملحة للدعم بأسرع وقت، لم يتردد العمال في العمل أثناء فترات الليل أيضا. وبهذه المهمة الصعبة، تطوع عدد كبير من أهالي لينينغراد للمساعدة بحفر خنادق ومواقع السكك الحديدية أملا في إنقاذ مدينتهم. من جهة ثانية، اتجه العمال لتشييد جسر بالمنطقة المحررة لربط ضفتي نهر نيفا (Neva) ببعضيهما وتمكين لينينغراد من حاجياتها.
يوم 7 شباط/فبراير 1943، بلغ أول قطار محمل بالمواد الغذائية لينينغراد. ومع وصوله، استقبله الأهالي بفرحة عارمة. وبالأيام التالية، تتالت رحلات القطارات السوفيتية التي عبرت سكة النصر الحديدية لتوفير حاجيات أهالي لينينغراد. من جهة ثانية، عادت هذه القطارات أدراجها محملة ببعض المواد العسكرية المصنعة بعدد من مصانع لينينغراد التي لم تتأثر بالقصف الألماني. ما بين شهري شباط/فبراير 1943 ويناير/جانفي 1944، تاريخ نهاية الحصار، استقبلت لينينغراد 4729 قطار مؤن ممن عبروا نحوها عبر سكة النصر الحديدية. وأثناء هذه الفترة، نجح الألمان في تدمير نحو 1500 عربة قطار حاولت دخول لينينغراد.