خلال الأيام الحالية، يشهد العام موجة حر غير مسبوقة. وبجنوب القارة الأوروبية، عرفت كل من إيطاليا وإسبانيا واليونان درجات حرارة مرتفعة أجبرت السلطات على اتخاذ العديد من الإجراءات الطارئة. وبإيطاليا، أصدرت وزارة الصحة تحذيرات باللون الأحمر حول 16 مدينة تزامنا مع توقعات بأن تبلغ درجات الحرارة مستويات قياسية لتستقر بحدود 48 درجة مئوية بسردينيا خلال قادم الأيام.
وتعيد موجة الحرارة الحالية للأذهان أهوال صيف العام 1911. فقبل 3 سنوات من بداية الحرب العالمية الأولى، عاشت مناطق مختلفة من العالم على وقع ارتفاع درجات الحرارة وسط غياب وسائل التبريد المعروفة حاليا كمكيف الهواء. وقد أسفرت موجة الحرارة هذه عن سقوط عدد كبير من الضحايا خاصة بفرنسا.
فرنسيون يسبحون بأحد الوديان بسبب موجة الحر
صيف حار بأوروبا وأميركا
صيف العام 1911، سجلت درجات الحرارة ارتفاعا غير مسبوق مقارنة بالمستويات التي بلغتها طيلة السنوات السابقة. وخلال شهر تموز/يوليو 1911، ضربت موجة حر السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأميركية وأسفرت عن مقتل عدد كبير من الأشخاص. فبمدينة نيويورك وحدها، توفي ما لا يقل عن 200 شخص لأسباب ارتبطت بارتفاع درجات الحرارة.
فرنسيون يسبحون بنهر السين خلال موجة الحر عام 1911
وبالعديد من المناطق الأميركية الأخرى، تهافت الناس على المسابح العمومية والشواطئ. فضلا عن ذلك، اتجهت السلطات بعدد من المدن لفتح صنابير إطفاء الحرائق بهدف تبريد الشوارع. وبتلك الفترة، أقبل عدد كبير من الأميركيين للاستحمام والتبريد تحت مياه هذه الصنابير.
صورة لعدد من الأطفال الأميركيين وهم يسبحون بإحدى النافورات لمجابهة موجة الحر خلال عام 1911
بالجهة المقابلة من المحيط الأطلسي، شهدت أوروبا ما بين يومي 5 تموز/يوليو و13 أيلول/سبتمبر 1911 درجات حرارة قياسية. وبكل من بريطانيا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، أسفرت موجة الحر عن سقوط عدد هام من الموتى كان جلهم من كبار السن والأطفال. وبفرنسا، سجلت أعداد الوفيات جراء موجة الحر أرقاما مرتفعة مقارنة ببقية المناطق الأوروبية.
عدد من النساء الفرنسيات خلال موجة الحر عام 1911
40 ألف حالة وفاة بفرنسا
وبعددها الصادر يوم 9 تموز/يوليو 1911، تحدثت صحيفة لاكروا (La Croix) الفرنسية عن موجة حر غير مسبوقة بالعاصمة. ففي حدود الساعة التاسعة صباحا من ذلك اليوم، قدرت درجة الحرارة بباريس بنحو 27.6 درجة مئوية. وقد استمرت موجة الحر هذه طيلة الأيام التالية. وفي باريس، سجلت ما بين يومي 9 و15 تموز/يوليو 1911 درجات حرارة تراوحت بين 35 و40 درجة. وبالشهر التالي، عاش أهالي العاصمة الفرنسية على درجات حرارة مرتفعة جاء أبرزها يوم 9 آب/أغسطس حيث شهد ذلك اليوم درجة حرارة قدرت بنحو 37.7 درجة مئوية.
صورة لعدد من أطفال نيويورك وهم يلعقون مكعبات الثلج لتبريد أنفسهم ومجابهة الحر عام 1911
وبمدينتي ليون وتولوز، ظلت درجات الحرارة مرتفعة واستقرت فوق حاجز الثلاثين درجة لمدة أيام قبل أن تنخفض تدريجيا. ومع حلول شهر آب/أغسطس سجلت المنطقة موجة حر أخرى. وحسب عدد من الصور التي التقطتها عدسات الكاميرا بتلك الفترة، تجمهر عدد كبير من الفرنسيين خارج البيوت واستقروا تحت ظلال الأشجار وبالحدائق أملا في النجاة من هول الحرارة المرتفعة.
رسم تخيلي بصحيفة لو بتي جورنال لرجل فرنسي انهار بسبب الحرارة المرتفعة
من جهة ثانية، لم تتردد الصحف الفرنسية في توجيه أصابع اللوم نحو المختصين بمجال الرصد الجوي واتهمتهم بالتقصير بعملهم بسبب عدم تقديمهم معلومات كافية ودقيقة حول موجة الحر.
جانب من الفرنسيين اثناء حصولهم على بعض الماء البارد قرب احدى النافورات بباريس خلال موجة الحر عام 1911
يوم 13 أيلول/سبتمبر 1911، تنفس الفرنسيون الصعداء تزامنا مع تراجع درجات الحرارة ونهاية موجة الحر التي شهدتها البلاد على مدار نحو 70 يوما. إلى ذلك، أسفرت موجة الحر عام 1911 عن وفاة أكثر من 40 ألف فرنسي كان ثلاثة أرباعهم من الأطفال الذين أصيبوا بالإسهال حيث ساهمت درجات الحرارة المرتفعة حينها في تكاثر الكائنات الحية الدقيقة بالمياه والحليب وأفسدت جودته.