الجاسوسية مهنة صعبة، وعلى ممارسها أن يكون متقناً لعمله ويحرص ألا يُكشف أمره، وأن يتلون كالحرباء لجمع معلومات قيمة. ولن يرد في أذهاننا أن المشاهير قد يمارسون هذه المهمة المستحيلة، لأن حياتهم لا تعرف الخصوصية، وتتناقلها الجرائد وألسن الناس، لكن يبدو أن إسهامات بعض المشاهير لم تتوقف عند إبهار العالم بقدراتهم الإبداعية فحسب، بل بقدرتهم على التجسس لصالح حكوماتهم أيضاً، وإمكانية إخفاء ذلك حتى مماتهم.
ماريكا روك: فوجئ العالم، في شهر فبراير/شباط من سنة 2017، بوثائق سرية تكشف أن نجمة السينما الألمانية، وإحدى نجمات هتلر المفضلات، ماريكا روك، كانت عميلة المخابرات السوفيتية منذ عام 1940. ماريكا التي ولدت في مصر من أبوين مجريين، كانت على علاقة مع مسؤول الدعاية النازي جوزيف غوبلز، واستخدمت علاقاتها لتمرير معلومات عسكرية سرية إلى الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك خطط لعملية بارباروسا، وهو الاسم الحركي الذي أطلقته القيادة الألمانية على العملية الفاشلة لغزو الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية، ومعركة كورسك. وبدأت المغنية حياتها المهنية كراقصة في ملهى Moulin rouge في باريس قبل أن تتوجه إلى برودواي لاستعراض مهاراتها في الرقص والتمثيل، وكان غوبلز من أشد المعجبين بها. مُنعت ماريكا من العمل لمدة سنتين بعد الحرب؛ نظراً لارتباط اسمها بالنظام النازي، وشاركت في أكثر من 35 فيلماً قبل وفاتها في النمسا عام 2004. وفي عام 1951، قالت ماريكا إنها تخلَّت عن حياتها الفنية مقابل فتح متجر ملابس، لكن وفقاً لتقرير المخابرات الذي نشرته صحيفة بيلد الألمانية "كان مجرد عملية تستر ذكية من أجل التجسس".
والت ديزني: قد يكون والت ديزني منح العالم شخصيات تعد من أيقونات الرسوم المتحركة، بداية من ميكي ماوس ودونالد دك إلى جوفي، لكنه كان يعمل مع السيناتور جوزيف مكارثي لطرد الشيوعيين في هوليوود. وأظهرت الوثائق أن ديزني عمل كعميل سري في مكتب التحقيقات الفيدرالي بداية من 1940 وحتى 1954. فبعد الحرب العالمية، ظلت أميركا يساورها القلق بشأن حماية نفسها من الخطر الأحمر، أي الشيوعية، حيث خلقت الحرب الباردة فكرة أن الشيوعيين سيهاجمون العالم بالأسلحة النووية وسيقضون عليه، وبدأ السيناتور جوزيف مكارثي عضو مجلس الشيوخ الأميركي آنذاك حملته ضد الفكر اليساري. وانضم إلى الحملة والت ديزني وتجسس على العاملين في الفن بعد إضراب كبير واجهته شركته عام 1941، وشهد ضد زملائه المشتبه بهم، وأدت الحملة المكارثية في الولايات المتحدة ضد السينمائيين اليساريين إلى خسارة الإنتاج السينمائي عدداً من الكتاب والمخرجين والممثلين الموهوبين.
كريستوفر لي: من المعروف أن الممثل البريطاني كريستوفر لي لعب العديد من الأدوار الشريرة في أغلب أفلامه، وربما يكون استلهم بعضها من خبرته في الجاسوسية أثناء الحرب العالمية الثانية. فعندما كان صاحب شخصية دراكيولا في ريعان شبابه، خدم كضابط استخبارات في سلاح الجو الملكي البريطاني لأكثر من عامين في شمال إفريقيا وإيطاليا ودول البلقان، وعمل بعد ذلك في "SAS" وهي واحدة من أوائل وحدات القوات الخاصة في الحرب الحديثة. أما بعد الحرب، فعمل كصائد للنازيين، وهو الدور الذي تطلب منه زيارة معسكرات الاعتقال والبحث عن ضباط قوات الأمن الخاصة الهاربة. وكان كريستوفر جاسوساً ضمن العمليات التنفيذية الخاصة، ويتلقى أوامره مباشرة من ونستون تشرشل.
فرانك سيناترا: لم يكن أسطورة البوب الأميركية جاسوساً خلال الحربين العالميتين، ولم يكن مؤهلاً للخدمة العسكرية بسبب ثقب في طبلة الأذن، لكنه أصبح جاسوساً في وقت السلم وراقب نشاط المافيا من أجل وكالة المخابرات المركزية "CIA". ووفقاً لابنته تينا، قدم سيناترا العديد من الخدمات للوكالة، ولم يكن جاسوساً بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه عمل كرسول سري للوكالة. ونظراً لتنقله في جميع أنحاء العالم على طائرات خاصة مستأجرة، كانت الوكالة تتواصل معه لنقل أشخاص مشتبه بهم سراً. وانتشرت شائعات عن علاقاته بالمافيا، ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI" عام 1998 صوراً له مع سام جيانكانا، زعيم العصابات في شيكاغو، وأشارت وثائق مكتب التحقيقات إلى أنه كان على اتصال برجل العصابات الشهير "لاكي لوتشيانو" خلال رحلته عام 1947 إلى كوبا. وحمل سيناترا ذات يوم أموالاً للمافيا، بينما كان يمر عبر الجمارك ومعه حقيبة بها ثلاثة ملايين ونصف المليون، وذلك بعد وقت قصير من ترحيل رجل المافيا الشهير لوتشيانو من الولايات المتحدة إلى إيطاليا عام 1946.
أرنون ميلتشان: تجسس منتج هوليوود صاحب أفلام "Fight Club" ،"Pretty Woman"، و"LA Confidential" لصالح إسرائيل، وأعرب عن فخره بخدمة بلاده خلال مقابلة أجراها مع البرنامج التلفزيوني الإسرائيلي "يوفدا". وعمل ميلتشان لصالح مكتب العلاقات العلمية التابع لإسرائيل، وهي منظمة سرية أسسها شيمون بيريز في الستينات لدعم البرنامج النووي الإسرائيلي والحصول على معلومات علمية وتقنية لبرامج الدفاع السرية وأغلق عام 1987. ووفقاً للبرنامج، أدار ميلتشان 30 شركة في 17 بلداً وتوسط في عمليات تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
كوكو شانيل: صُنفت كوكو شانيل بأنها واحدة من أفضل مصممي الأزياء، وفرضت ماركتها التي تحمل اسمها نفسها على العالم؛ لذلك يميل معظمنا إلى نسيان أنها كانت جاسوسة للنازيين. وكشف الصحفي الأميركي فال فوجان في كتابه "في الفراش مع العدو: حرب كوكو شانيل السرية"، أن أسطورة الموضة كانت جاسوسة للنظام النازي تحت رقم "إف 7124"، رمزها المشفر لدى أجهزة المخابرات النازية هو: "ويستمنستر" نسبة إلى دوق "ويستمنستر" آنذاك، الذي كان أحد عشاقها الكثيرين؛ بسبب ازدرائها لليهود ومنعهم من منافستها. وفي عام 1943، وصلت مغامرات شانيل في التجسس إلى النهاية، عندما حاولت التوصل إلى اتفاق سلام مع ونستون تشرشل في محاولة أخيرة لحماية النازيين من الجيش الأحمر، لكنه رفض مقابلتها. وتم القبض عليها بتهمة التجسس بعد نهاية الحرب، وأطلق سراحها لعدم وجود أدلة كافية، ثم هاجرت إلى سويسرا، وعادت إلى بلادها في سن الحادية والسبعين وتوفيت عن عمر يناهز السابعة والثمانين.
جوليا تشايلد: قبل أن تصبح جوليا تشايلد من أعظم نجوم التلفزيون في التاريخ، وأشهر طاهية في العالم، أثبتت جدارتها في مكتب الخدمات الاستراتيجية. التحقت تشايلد كموظفة في مكتب الخدمات الاستراتيجية، وهي وكالة سرية سابقة للمخابرات تابعة للحكومة الأميركية، وعملت كجاسوسة في عام 1942 بعد اكتشاف أن طولها البالغ 188 سم يعيقها عن العمل في فيلق جيش النساء. وتمت ترقيتها بسرعة إلى دور سري كباحث لقسم مرصد الصحراء والساحل، وساعدت في إبعاد أسماك القرش عن الألغام تحت الماء، وأظهرت تفوقاً ملحوظاً في عملها، حيث تم نقلها إلى سيلان (سريلانكا حالياً) ثم الصين، وأصبحت مديرة الاتصالات لمحطات مرصد الصحراء والساحل السرية هناك. والتقت جوليا بزوجها بول في سيلان وتزوج الثنائي في عام 1946، حيث استقالت تشايلد من عملها وواصل بول عمله لصالح الحكومة، وفي غضون عامين، تم نقله إلى وزارة الخارجية الأميركية في باريس، وشُغلت تشايلد وقتها بالطهي، ومن هنا بدأت مسيرتها المعروفة.
هاري هوديني: بدأ أشهر ساحر في العالم، وأستاذ فن الوهم مهنته بأدء حيل أوراق اللعب عام 1900، ثم حيَّر العالم بقدرته على الهروب من أصعب المواقف والمخاطر، وربما ساعده ذلك على التخفي والعمل كجاسوس. تناول كتاب "الحياة السرية لهوديني" قصة حياته وكيفية استخدام مهنته وجولاته حول العالم كغطاء للتستر على عمله كجاسوس لشرطة "سكوتلاند يارد" البريطانية، يراقب الفوضويين الروس ويلاحق المزورين لحساب جهاز الخدمة السرية الأميركي.
مارلين ديتريش: تطوعت أسطورة هوليوود مارلين ديتريش في مكتب الخدمات الاستراتيجية، وحاولت الممثلة الشهيرة قتل أدولف هتلر، وأثناء رحلاتها للترفيه عن الجنود في الحرب العالمية الثانية، جمعت معلومات حول الأنشطة في أوروبا. واعتقد إدغار هوفر -أول رئيس لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي- أن ديتريش كانت جاسوسة لصالح الألمان، لكنها أثبتت ولاءها لأميركا من خلال محاولة قتل هتلر.
السير نويل كوارد: مع بداية الحرب العالمية الثانية، حقَّق الكاتب المسرحي البريطاني نجاحاً كبيراً في عالم المسرح، وذاع صيته بسبب مسرحياته الكوميدية اللطيفة المعقدة. لكن عندما اندلعت الحرب، تخلَّى عن عمله المسرحي، وأنشأ مكتب دعاية لخدمة الاستخبارات السرية البريطانية، وانتقل إلى أميركا واستخدم شهرته للوصول إلى النخبة الأميركية وتقديم معلومات سرية للشخصيات الأكثر نفوذاً في البلاد، بما في ذلك الرئيس فرانكلين روزفلت. وأدى نويل مهمته على أكمل وجه، لدرجة أنه أصبح على القائمة السوداء للنازيين، ويقال إن هتلر أراد إعدامه حال غزو ألمانيا بريطانيا.
كاميليا:أُعجِب الملك فاروق بالممثلة الشابة كاميليا، التي بدأت تخطو أولى خطواتها في مجال التمثيل، حتى إنها علمت بنبأ انفصال الملك فاروق عن الملكة فريدة قبل الجميع، وأصبحت مقربة من مجتمع رجال الملك والقصر. وبعد انتشار الأنباء التي دعمت وجود علاقة قوية بين الانكسارات التي عانى منها الجيش المصري في حرب فلسطين ووجود كاميليا بشكل دائم خارج مصر، شعرت وقتها كاميليا بآلام في معدتها، وأرادت السفر لسويسرا لمتابعة أحد الأطباء هناك، لكن لم يكن هناك مكان لها في الطائرة، وفجأة تنازل أحد الركاب عن مكانه، وكان هذا الراكب هو الكاتب الصحفي أنيس منصور، وحلَّقت الطائرة بكاميليا يوم 31 أغسطس 1950، وسقطت بعد إقلاعها من مطار القاهرة في مدينة الدلنجات بمحافظة البحيرة، ولم يُعثر إلا على فردة الحذاء الأخضر الذي كانت ترتديه كاميليا. ويقال إن المخرج عاطف سالم قام بإخراج فيلم "حافية على جسر الذهب" عن قصة حياتها، حيث قامت الفنانة ميرفت أمين بدور كاميليا، والفنانة مريم فخر الدين بدور الأم، والفنان حسين فهمي بدور أحمد سالم، والفنان عادل إمام بدور الملك فاروق.
إيهاب نافع: بدأ إيهاب نافع حياته العملية كطيار مقاتل، ودخل لعالم التمثيل من خلال أول أفلامه "بنات آخر زمن" عام 1963، وهو لا يزال في العمل العسكرى، وكان نافع صديقاً لقائد القوات الإسرائيلية عذرا وايزمان، الذي أصبح رئيساً لإسرائيل فيما بعد، حيث سهل وايزمان مهمة دخوله لتل أبيب، اعتقاداً بأنه عميل مزدوج، بينما نفذ نافع عمليات استخباراتية لصالح مصر، وهو ما ذكره في مذكراته الشخصية. وقال نافع في مذكراته: "كنت صديق عذرا وايزمان، قائد القوات الإسرائيلية الذي أصبح رئيساً لإسرائيل فيما بعد، وهو من مواليد حي الموسكي بالقاهرة، وكان في ذلك الوقت يُسهل لي إجراءات السفر إلى إسرائيل، كنا نتبادل المعلومات العسكرية، حيث كنت أعطيه المعلومة وأحصل على التأكيد في الحال، وكانت المخابرات المصرية تريد من خلال إحدى هذه المهام التي كلّفتنى بها أن تعرف وتتأكد من أن الممرّ الذي تقيمه إسرائيل بطول 7 كيلومترات للطائرات السريعة تم إنشاؤه أم لا.