عملية ترسيم الحدود التي تلت نهاية الحقبة الاستعمارية أسفرت عن حالة من التوتر بين الهند والصين الشعبية خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 1962، وتابع العالم عن كثب أطوار أزمة الصواريخ الكوبية، فأثناء تلك الفترة، تخوّف الجميع من إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي عقب إقدام موسكو على نقل صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية نحو كوبا التي تواجدت على بعد نحو 700 كلم من سواحل ولاية فلوريدا الأميركية. ومستغلة انشغال العالم بهذه الأزمة التي هددت بنشوب نزاع نووي، هاجمت جمهورية الصين الشعبية الهند انطلاقا من الحدود المشتركة بين البلدين بهدف السيطرة على عدد من المناطق المتنازع عليها بين الطرفين.
توتر صيني هندي
وخلال فترة الحرب الباردة، جرت عام 1947 عملية اقتسام شبه القارة الهندية بين الدول التي نالت استقلالها حديثا، وإلى ذلك، خلفت عملية الاقتسام هذه حالة من التوتر ومشاكل حدودية بين كل من الهند وباكستان وجمهورية الصين الشعبية، التي أعلن ماو تسي تونغ عن تأسيسها عام 1949، ومملكة سيكيم (Sikkim)، التي اندمجت مع الهند عام 1975، ومملكة بوتان. وفي الأثناء، مثلت منطقة أكساي تشين (Aksai Chin) واحدة من المناطق المتنازع عليها بين الصين والهند، وقد تم تجاهل هذه المنطقة لسنوات بسبب تواجدها بمكان منعزل ومناخها الصحراوي وخلوها شبه التام من السكان. إلى ذلك، تغيّر الوضع بهذه المنطقة عقب توجه الصين الشعبية لإنشاء طريق بها بهدف ربط شينجيانغ (Xinjiang) بالتبت (Tibet)، وتزامنا مع دخول الصينيين إليها، اعترضت الهند بشدة وتحدثت عن انتماء هذه المنطقة لإقليم لداخ القابع تحت السيطرة الإدارية الهندية. ومن جهة ثانية، تدهورت العلاقات بين الهند والصين الشعبية أواخر الخمسينيات عقب انتفاضة التبت التي قمعها جيش التحرير الشعبي الصيني، وعلى إثر ذلك منحت الهند حق اللجوء للدلاي لاما مثيرة بذلك قلق السلطات الصينية.
حرب حدودية
وطيلة الفترة الممتدة بين عامي 1959 و1962، شهدت الحدود الهندية الصينية العديد من المناوشات العسكرية الدامية، ويوم 20 تشرين الأول/أكتوبر 1962، شن جيش التحرير الشعبي الصيني، بشكل مفاجئ، هجوما على القوات الهندية المرابطة على طول الحدود المتنازع عليها بين مناطق لداخ وخط ماكماهون (McMahon Line). وخلال هذا الهجوم الصيني، تكبدت القوات الهندية خسائر فادحة حيث قدّرت خسائرها البشرية بنحو 7 آلاف عسكري، كان من ضمنهم أكثر من 4 آلاف قتيل حسب المصادر الصينية، بين قتيل وجريح وأسير. ومن جهة ثانية، تراجعت القوات الهندية من المناطق الحدودية التي وقعت بقبضة الصين الشعبية، وبسبب ذلك، أصبح الطريق نحو ولاية آسام الهندية مفتوحا أمام قوات جيش التحرير الشعبي الصيني.
وعقب حسم ملف أزمة الصواريخ الكوبية، تفرغت الولايات المتحدة الأميركية لطلب المساعدة الذي تقدم به رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو (Jawaharlal Nehru)، وكرد على التدخل الصيني، وافق الأميركيون على مساعدة الهند عن طريق إرسال حاملة طائرات للمنطقة استعدادا لعمل عسكري محتمل ضد القوات الصينية المتوغلة بالأراضي الهندية. وأثناء هذه العملية العسكرية، سيطرت الصين الشعبية على جميع المناطق المتنازع عليها مع الهند عند الحدود الشرقية بين البلدين. ومع إمكانية تدخل أميركي محتمل بالنزاع، أعلنت جمهورية الصين الشعبية يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني1962 وقف إطلاق نار من جانب واحد واتجهت خلال الفترة التالية للانسحاب من المناطق الحدودية التي سيطرت عليها أثناء هذه الحرب الصينية الهندية.