مسلسلات رمضان 2024
"صوفيا".. خطة أبادت 160 ألفا في أميركا الوسطى بالقرن 20
14/03/2023

قديما، مثلت دولة غواتيمالا جزءا من حضارة المايا التي استحوذت على قسم كبير من أميركا الوسطى طيلة فترة قدرت بنحو ألفي عام. ومع قدوم المستكشفين الإسبان للمنطقة بالقرن السادس عشر، انهارت حضارة المايا بشكل تدريجي قبل أن تفقد كامل أراضيها لصالح إسبانيا. وعلى إثر ذلك، تحول شعب المايا لعبيد داخل أراضيه، حيث اتجه المستعمرون الإسبان لاستغلالهم بالعديد من المهام الشاقة كالزراعة والبحث عن الذهب. وبالقرن العشرين، حافظت المجموعات المنتمية لشعب المايا على مكانة اجتماعية متدنية بغواتيمالا. وبالثمانينيات، تعرضت هذه الفئة من السكان لإبادة راح ضحيتها مئات الآلاف.

خطة صوفيا
منذ مطلع ستينيات القرن الماضين عاشت غواتيمالا على وقع حرب أهلية اندلعت أساسا بسبب غياب المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالبلاد. وخلال السبعينيات، اتجه شعب المايا لتنظيم احتجاجات ومظاهرات ضد سياسة الحكومة التعسفية تزامنا مع مطالبتهم بمزيد من المساواة وضرورة الاعتراف بحضارة المايا وإدراج لغتها بالمناهج التعليمية. خلال العام 1980، وضع جيش غواتيمالا خطة صوفيا (Sophia). وبموجبها، اتجه قادة الجيش لوضع حد نهائي لحرب العصابات عن طريق تدمير القواعد المدنية، أي القرى والمدن، التي اختبأ بها المتمردون. إلى ذلك، وجهت هذه العملية العسكرية أساسا ضد شعب المايا الذي اتهم أفراده بتوفير المخابئ والمؤونة للمتمردين.

إبادة بحق المايا
على مدار الثلاث سنوات التالية، دمّر جيش غواتيمالا 626 قرية. وبالتزامن مع ذلك، أحصت المنظمات الدولية مقتل واختفاء ما بين 50 و166 ألف فرد من شعب المايا. أيضا، أدت عملية صوفيا لتهجير 1.5 مليون من المايا داخل البلاد تزامنا مع فرار 150 ألفا آخرين نحو المكسيك. من ناحية أخرى، تحدثت تقارير دولية عن قيام الجيش بخطف واقتياد أعداد كبيرة من المايا نحو أماكن نائية قبل أن تتم عملية إعدامهم ودفنهم بمقابر جماعية.

وفي الأثناء، اتجهت حكومة الرئيس إفراين ريوس مونت (Efraín Ríos Montt) لاعتماد سياسة الأرض المحروقة ضد المايا لتباشر بعملية هدم المباني وحرق المحاصيل وقتل الماشية تزامنا مع تسميمها لمصادر المياه وتخريبها للأماكن المقدسة. وفي الغالب، قام الجيش الغواتيمالي بهذه العمليات اعتمادا على فرق خاصة تابعة له وميليشيات محلية. من جهتها، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية لدعم الحكومة الغواتيمالية. ففي سياق الحرب الباردة، فضلت واشنطن الوقوف مع السلطات الحاكمة بغواتيمالا التي خاضت حربا شرسة ضد المتمردين المدعومين من الاتحاد السوفيتي.

بعد نحو 36 سنة من القتال، عرفت الحرب بغواتيمالا نهايتها عام 1996 عقب توقيع الحكومة على اتفاق أوسلو مع متمردي الوحدة الثورية الوطنية الغواتيمالية. مع نهاية الحرب، أجرت الأمم المتحدة تحقيقا حول أحداث العنف بغواتيمالا. وخلال شهر شباط/فبراير 1999، صدر تقرير لجنة التحقيق الذي تحدث عن ارتكاب الحكومة الغواتيمالية لإبادة بحق المايا. على مدار سنين، تمتع إفراين ريوس مونت، الذي ترأس غواتيمالا ما بين 1982 و1983، بالحصانة بسبب مشاركته بالحياة السياسة حيث شغل الأخير مرات عديدة منصب عضو بكونغرس البلاد كما ترأس هذا المجلس في مناسبتين. ومع نهاية فترته كعضو بالكونغرس عام 2012، فقد ريوس مونت حصانته لينال على إثر ذلك حكما بالسجن 80 عاما. لاحقا، ألغت المحكمة الدستورية هذا الحكم لتبدأ على إثر ذلك محاكمة جديدة بحق هذا الرئيس السابق. وفي الأثناء، ألغيت هذه المحاكمة عام 2018 بسبب وفاة ريوس مونت.