بعد مضي شهر واحد على حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند يوم 28 حزيران/يونيو 1914، تابع العالم عن كثب اندلاع الحرب العالمية الأولى عقب تفعيل سياسة التحالفات تزامنا مع إعلان النمسا الحرب على صربيا. وخلال الأيام الأولى من الحرب، اجتاحت الإمبراطورية الألمانية يوم 2 آب/أغسطس 1914 لكسمبورغ ووجهت تحذيرا لبلجيكا دعتها من خلاله بالسماح لقواتها بعبور أراضيها للمرور نحو فرنسا. مع سماعه لهذه التهديدات، أعلن الملك البلجيكي ألبرت الأول (Albert I) رفضه للتحذير الألماني رافضا بذلك السماح لجيوش القيصر فيلهلم الثاني بعبور أراضيه.

60 ألف جندي ألماني ببلجيكا
يوم 3 آب/أغسطس 1914، أعلن القيصر الألماني فيلهلم الثاني الحرب على فرنسا. وفي الأثناء، اتجه قائد القوات المسلحة الألمانية لودفيغ فون مولك (Ludwig von Moltke) لتطبيق مخطط شليفن (Schlieffen) الذي نص على ضرورة سحق فرنسا بشكل سريع ونقل أغلبية الجيش الألماني نحو الجبهة الشرقية لمواجهة الروس الذين واصلوا عمليات التعبئة تزامنا مع ارسالهم لأعداد كبيرة من جنودهم نحو الجبهة لمقارعة القوات الألمانية والنمساوية.

وأملا في تحقيق ما جاء بمخطط شليفن، اتجه الألمان للتدخل ببلجيكا لتسهيل عبورهم نحو الأراضي الفرنسية ضاربين بذلك عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية السابقة التي أبرمت عام 1831 والتي نصت على ضمان حياد بلجيكا بالنزاعات الدولية. يوم 4 آب/أغسطس 1914، عبر ما يزيد عن 60 ألف جندي ألماني الحدود الألمانية البلجيكية واتجهوا صوب مدينة لياج (Liège). ومع سماعه لهذا الخبر، ألقى الملك البلجيكي خطابا ببروكسل دعا من خلاله البلجيكيين لمقاومة المحتل الألماني واتجه في الآن ذاته لاستلام قيادة الجيش حسب البند 68 من الدستور.

سقوط لياج
إلى ذلك، كانت مدينة لياج محصنة بشكل جيد بفضل امتلاكها لنحو 12 حصنا شيدت أواخر القرن 19. فضلا عن ذلك، تمكن الجنرال البلجيكي جيرارد ليمان (Gérard Leman) من جمع حوالي 40 ألف عسكري للدفاع عن المدينة التي مثلت نقطة عبور حيوية للألمان. مستغلين عتمة الليل والأمطار الغزيرة، باشر الألمان بمهاجمة لياج خلال الليلة الفاصلة بين يومي 5 و6 آب/أغسطس 1914. وعقب معارك ضارية، تمكنت إحدى الكتائب الألمانية من التوغل بقلب مدينة لياج وتمركزت بها بانتظار قدوم الدعم.

ومع تواصل المعارك حول الحصون، أمر الجنرال الألماني كارل فون بولاو (Karl von Bülow) بجلب فرقة مدفعية امتلكت العشرات من المدافع كان من ضمنها مدافع بيرتا الضخمة (Big Bertha) عيار 42 سم التي سجلت مشاركتها لأول مرة بالعمليات القتالية. تدريجيا سقطت حصون لياج الواحدة تلو الأخرى تحت وطأة القصف. وقد استسلم آخرها يوم 15 آب/أغسطس 1914 عقب انفجاره تزامنا مع سقوط قذيفة مدفعية قرب أحد مخازن ذخيرته. وعلى إثر ذلك، ألقى الألمان القبض على الجنرال البلجيكي جيرارد ليمان الذي كان فاقدا للوعي. خلال اليوم التالي، استسلم البلجيكيون بلياج عقب تكبدهم لخسائر بشرية فادحة حيث وقع 15 ألفا من قواتهم بين قتلى وجرحى وأسرى.

يوم 17 آب/أغسطس 1914، تراجع البلجيكيون نحو منطقة أنفيرس (Anvers) مخالفين بذلك اقتراحات الفرنسيين الذين دعوهم للانسحاب تجاه شارلروا (Charleroi) لمؤازرة قواتهم. وبالأيام التالية، اندلعت معركة الحدود التي تكبد أثناءها الفرنسيون والبريطانيون والبلجيكيون خسائر فادحة. إلى ذلك، ساهمت عملية التعبئة السريعة الروسية في إفشال مخطط شليفن الألماني. وبسبب ذلك، اضطر الألمان لنقل مزيد من قواتهم نحو الشرق للقتال على جبهتين.

نننن