عقب وفاة فلاديمير لينين يوم 21 يناير 1924، عاش الاتحاد السوفيتي على وقع حالة من التخبط السياسي أسفرت عن استفراد جوزيف ستالين بمقاليد الحكم تزامنا مع إقصائه لعدوه اللدود ليون تروتسكي. وعلى مدار نحو ربع قرن، حكم ستالين الاتحاد السوفيتي بقبضة من حديد تسبب خلالها في وفاة زهاء 20 مليون شخص بسبب المجاعات وعمليات الإعدام ومراكز العمل القسري بالمناطق النائية من البلاد.

وأثناء الحقبة الستالينية، طالت الملاحقات الأمنية عددا كبيرا من كوادر الدولة وكبار القادة الجيش والكفاءات. وإضافة لهؤلاء، لم يتردد ستالين في اعتقال وإعدام العديد من الأدباء الذين اتهمهم بمعارضة نظامه. ومن ضمن كبار الأدباء الذين عانوا من السياسات الستالينية يذكر التاريخ الأديب إسحاق بابل (Isaac Babel) الذي أعدم مطلع الأربعينيات.

بداية صعبة وحرمان من الدراسة
ولد إسحاق بابل يوم 13 تموز/يوليو 1894 بأوديسا لعائلة يهودية خلال فترة عانى أثناءها اليهود من اضطهاد السلطات الروسية لهم. وبصباه، حاول إسحاق بابل الالتحاق بمدرسة نيقولا الأول بأوديسا. لكن بسبب أصوله اليهودية، حرم الأخير من فرصة الدراسة بهذه المدرسة واضطر بدلا من ذلك للدراسة بالمنزل على يد مدرسين خصوصيين. بالمنزل، درس بابل التلمود والموسيقى والأدب الفرنسي وأعجب بكتابات أدباء فرنسيين من أمثال غي دي مونباسون (Guy de Maupassant) وغوستاف فلوبرت (Gustave Flaubert). وبشبابه، حاول بابل الالتحاق بجامعة أوديسا التي رفضت قبوله بسبب أصوله واستيفائها لطاقة استيعاب الطلبة اليهود بها. وبدلا من ذلك، اتجه الأخير للدراسة بمعهد المالية والأعمال بكييف حيث التقى بزوجته المستقبلية يفجينيا غرونفين (Yevgenia Gronfein).

سنة 1915، استقر إسحاق بابل ببتروغراد. وهنالك، التقى هذا الأديب الروسي بنظيره مكسيم غوركي الذي لم يتردد في نشر عدد من قصصه. ومع بداية الحرب الأهلية الروسية، تواجد بابل ضمن القوات المؤيدة للبلشفيين. وحسب سيرته الذاتية، عمل بابل مع قوات التشيكا (Cheka) كمترجم وشغل مناصب أخرى بأوديسا كما أصبح لاحقا صحفيا بمدينة تفليس (Tiflis). وعملا بنصيحة مكسيم غوركي، التحق بابل بفرق الخيالة والفرسان بالجيش الأحمر واتجه في الآن ذاته لتأليف عدد من الروايات والمسرحيات حول الحرب وحياة اليهود قبل وبعد ثورتي 1917. وأثناء مسيرته، ألف إسحاق بابل العديد من القصص والروايات الشهيرة كشروق الشمس وقصص من أوديسا، التي وصفت حياة اليهود أساسا قبل وبعد الثورة البلشفية، ومسرحية ماريا.

إعدام ورد اعتبار
خلال الثلاثينيات، سافر إسحاق بابل لأوكرانيا وتابع عن كثب معاناة الأوكرانيين من السياسة الستالينية وحجم الخراب الذي خلفته المجاعة التي أودت بحياة نحو 5 ملايين شخص. من جهة ثانية، تحول الأخير لمصدر قلق للسلطات السوفيتية التي اعتبرت كتاباته حول الحرب والحياة بأوديسا تهديدا لها أثناء فترة طالب خلالها ستالين بمراقبة وإعادة صياغة الثقافة والأدب الروسي. فضلا عن ذلك، تحول بابل مطلع الثلاثينيات لواحد من أشهر الأدباء بالاتحاد السوفيتي حيث لقيت مؤلفاته رواجا كبيرا بمدن كبرى كموسكو ولينينغراد. عقب الوفاة المسترابة للأديب الروسي مكسيم غوركي عام 1936، دون بابل بمذكراته قائلا "سيأتون قريبا من أجلي".

تزامنا مع إزاحته من إدارة مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، اعترف نيقولاي يجوف خلال شهر نيسان/أبريل 1939 بترويج بابل لأفكار معادية لستالين. ويوم 15 أيار/مايو 1939، اعتقلت قوات مفوضية الشعب للشؤون الداخلية هذا الكاتب والأديب ووجهت له تهما تراوحت بين التعاون مع التروتسكيين والتخابر مع فرنسا والنمسا. وعقب أشهر قضاها بالسجن تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب، قبل إسحاق بابل بجميع التهم الموجهة له ليصدر في حقه حكم بالإعدام رميا بالرصاص تم تنفيذه يوم 27 يناير 1940. على مدار 13 عاما، أخفت السلطات السوفيتية عن عائلة بابل خبر وفاته حيث لم تعلم زوجته وابنته بذلك سوى عام 1953 تزامنا مع وفاة جوزيف ستالين. ومع بداية سياسة اجتثاث الستالينية بالاتحاد السوفيتي، ردت موسكو الاعتبار لإسحاق بابل عام 1954 وسمحت بإعادة نشر كتبه مجددا.