عقب نجاحه في انتزاع أغلب مناطق الصين القارية، المعروفة أيضاً ببر الصين الرئيسي، من قبضة الكومينتانغ، أعلن الزعيم الشيوعي الصيني، ماو تسي تونغ، يوم 1 أكتوبر 1949 عن قيام جمهورية الصين الشعبية التي اتخذت من بكين عاصمة لها. وعلى مدار أكثر من ربع قرن، حكم ماو تسي تونغ جمهورية الصين الشعبية بقبضة من حديد متسبباً في وفاة عشرات الملايين من الأشخاص، بسبب المجاعات والعمليات الأمنية التي طالت عدداً كبيراً من معارضيه وأعدائه السياسيين.

وقبيل بداية الثورة الثقافية بستينيات القرن الماضي، اتجهت السلطات الصينية، عقب اقتراح تقدم به الجنرال لين بياو (Lin Biao)، لتخليد أقوال وخطابات ماو تسي تونغ بكتاب عرف بالكتاب الأحمر. وفي الآن ذاته، وزِّع هذا الكتاب على نطاق واسع بالصين الشعبية وأجبر الصينيون على قراءته ومطالعته بشكل يومي. وعلى مدار سنوات، اتجهت صحيفة جيش التحرير الشعبي لتدوين وتسجيل عدد كبير من مقولات وخطابات ماو تسي تونغ التي استخدمت لتحرير الكتاب الأحمر. وفي البداية، تضمن هذا الكتاب 200 اقتباس ومقولة لماو تسي تونغ وناقش 23 موضوعاً، كالحرب والسلم وجيش التحرير الشعبي والحزب. ولهذا السبب حمل الكتاب عند ظهوره اسم 200 مقولة للرئيس ماو. ومع عرضه على أعضاء الحزب مطلع يناير 1964، اتجه هؤلاء لتوسيع مواضيعه ليشمل 25 موضوعاً ويحمل بين طياته 267 مقولة واقتباس لماو تسي تونغ.

يوم 10 يناير 1964، أرسِلت أولى النسخ من الكتاب الأحمر نحو فيالق جيش التحرير الشعبي ليتكفل الضباط بمهمة تلقينه وقراءته على سائر الجنود بغية خلق جيش وفي يقتدي بمهامه اليومية بأفكار ووجهات نظر ماو تسي تونغ. بحلول العام 1965، أسفرت المشاورات داخل الحزب الشيوعي عن توسيع الكتاب الأحمر الذي ضم بنسخته الجديدة 33 موضوعاً و427 مقولة واقتباس لماو تسي تونغ. وأواخر العام، صادقت اللجنة المركزية رسمياً على نسخ الكتاب الأحمر الذي اتجهت "دار الشعب للنشر" الصينية لطباعته ونشره بين المواطنين الصينيين.

ولضمان صدور أعداد كافية من الكتاب الأحمر، أمرت السلطات الصينية ببناء المئات من المطابع بالبلاد. وبسبب التركيز على الكتاب الأحمر، تعطلت بالصين عمليات طباعة كتب أخرى ككتب كارل ماركس وإنغلز. فضلاً عن ذلك، غزى هذا الكتاب الذي احتوى على اقتباسات ماو المكاتب والجامعات الصينية. بأولى صفحاته، حمل الكتاب الأحمر شعار "يا عمال العالم اتحدوا". وقد لقِّب هذا الكتاب بالأحمر نسبة للونه. من جهة ثانية، تميز الكتاب الأحمر بحجمه الصغير، حيث كان من الممكن وضعه بالجيب. وبسبب ذلك، اتجه الغرب لتلقيبه بالكتاب الأحمر الصغير.

أثناء فترة حكم ماو تسي تونغ، كان من الضروري حمل نسخة من هذا الكتاب بالنسبة للصينيين. وقد أجبر سكان جمهورية الصين الشعبية على قراءته بين الفينة والأخرى لفهم سياسة ماو تسي تونغ وتوجهاته. وتزامناً مع ذلك، مارست السلطات الصينية رقابة شديدة على ناقدي محتوى الكتاب الأحمر واتجهت لملاحقتهم. أثناء فترة الثورة الثقافية، أجبر المواطنون الصينيون بالمعاهد والمدارس على قراءة الكتاب الأحمر لنشر الأفكار الماوية بينهم. وبالمصانع والحقول، فرضت السلطات الصينية على العمال والفلاحين مطالعة هذا الكتاب يومياً أملاً في زيادة إنتاجهم وتحسين جودة عملهم.

سنة 1966، سمحت السلطات الصينية بنشر الكتاب الأحمر خارج حدود الصين. وبحلول العام التالي، غزا الكتاب الأحمر المكاتبات بعشرات الدول. وبالاتحاد السوفيتي، سمحت موسكو في البداية بنشر الكتاب الأحمر قبل أن تتجه فيما بعد لمصادرته بسبب تزايد حدة الخلاف الصيني السوفيتي. وبحسب العديد من المصادر، يُصنَّف الكتاب الأحمر الصغير، الملقب أيضاً بـ"اقتباسات الرئيس ماو تسي تونغ"، كثاني أكثر الكتب مبيعاً بالتاريخ بعد الإنجيل حيث بيعت منه أكثر من مليار نسخة.